الشَّيْء من أَصله وَقد مَضَت من قبلنَا أصُول نَحن فروعها فَمَا بَقَاء الْفُرُوع بعد الأَصْل فَكل مَا هُوَ آتٍ قريب
أَيهَا النَّاس إِنَّمَا أَنْتُم فِي الدُّنْيَا أغراض تتنصل فِيكُم المنايا وَنهب للمصائب ومعدن للنوائب مَعَ كل أَكلَة غصص وَمَعَ كل شربة شَرق أَلا تنالون نعْمَة إِلَّا بِفِرَاق أُخْرَى وَلَا يعمر فِيكُم معمر لَا بهدم آخر من أَجله وَأَنْتُم أعوان الحتوف على أَنفسكُم فَأَيْنَ الْمَهْرَب مِمَّا هُوَ كَائِن فَالله الله يَا إخْوَانِي لَا تركنوا إِلَى طول الأمل وَلَا تنسوا اقتراب الْأَجَل فالموت لَا بُد مِنْهُ
وأنشدوا
(آه على سفرة بِغَيْر إياب ... آه من حسرة على الأحباب)
(آه من سكرة بِغَيْر سراب ... آه من ركبة بِغَيْر ركاب)
(آه من مضجعي وحيدا فريدا ... بَين فرش من الْحَصَى وَالتُّرَاب)
يَا إخْوَانِي هَل رَأَيْتُمْ أحدا خلد فِي الدُّنْيَا حَتَّى تَكُونُوا مخلدين أم أَنْتُم من الرحيل إِلَى الْآخِرَة على شكّ فتكونوا بِالْقُرْآنِ كَافِرين فوَاللَّه لَو كَانَ الْأَمر كَذَلِك لخلد خَاتم النَّبِيين لقد رانت على قُلُوبكُمْ ستْرَة الغافلين واستحوذ على نفوسكم كيد الشَّيْطَان اللعين حَتَّى نسيتم الْمَوْت المفرق لجمع الجامعين
وأنشدوا
(لَيْسَ دوَام الْبَقَاء لِلْخلقِ لَكِن ... دوَام الْبَقَاء للخلاق)
(غلب الْمَوْت حِيلَة كل محتال ... واعي بدائه كل راق)
(عطفت شدَّة الزَّمَان فأدته ... إِلَى فاقة وضيق خناق)
(لَا يغرنك الْغرُور من الدُّنْيَا ... فَمِنْهَا شَدَائِد بسياق)
رُوِيَ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (تركت فِيكُم واعظين ناطقا وصامتا فالناطق الْقُرْآن والصامت الْمَوْت مَسَاكِين فَلَا بِالْقُرْآنِ عملتم وَلَا فِي الْمَوْت تفكرتم تمسون وتصبحون وقلوبكم معلقَة بعلائق الدُّنْيَا مَا عنْدكُمْ من الْمَوْت خبر وَلَا أَنْتُم مِنْهُ على حذر قُلُوبكُمْ خَالِيَة من خوف الرَّحْمَن عامرة بخدوع الشَّيْطَان كأنكم قد أمنتم الْمَوْت وطوارق الْحدثَان
وأنشدوا
(ركبت جموح الغي فِي سبل الصِّبَا ... لم تدر أَن النائبات تنوب)