قُلْتُ: وَيُقَوِّي ضَعْفَهُ رِوَايَةُ جَابِرٍ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: وَلا يَخْفَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ كَلامِ هَؤُلاءِ الْحُفَّاظِ مَا يَقْدَحُ بِمِثْلِهِ وَقَدْ احْتَجَّ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِحَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَخْرَجَ لَهُ أَحَادِيثَ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَلَمْ يُخَرِّجَا لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ.
قَوْلُهُ: «وَإِنْ كَانَ غَائِبًا» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ شُفْعَةَ الْغَائِبِ لا تَبْطُلُ وَإِنْ تَرَاخَى.
قَوْلُهُ: «إذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِوَارَ بِمُجَرَّدِهِ لا تَثْبُتُ بِهِ الشُّفْعَةُ، بَلْ لا بُدَّ مَعَهُ مِنْ اتِّحَادِ الطَّرِيقِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الِاعْتِبَارَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ «فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِفَتْ الطُّرُقُ فَلا شُفْعَةَ» .
فَائِدَةٌ: مِنْ الأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الشُّفْعَةِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَةْ وَالْبَزَّارِ بِلَفْظِ: «لا شُفْعَةَ لِغَائِبٍ وَلا لِصَغِيرٍ، وَالشُّفْعَةُ كَحَلِّ عِقَالٍ» وَفِي إسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ وَلَهُ مَنَاكِيرُ كَثِيرَةٌ. وَقَالَ الْحَافِظُ:
إنَّ إسْنَادَهُ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَضَعَّفَهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: لا أَصْلَ لَهُ. وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: مُنْكَرٌ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَيْسَ بِثَابِتٍ. انتهى.
قَالَ فِي الاخْتِيَارَاتِ: تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ عقار يَقْبَلُ قِسْمَة الإِجْبَارِ بِاتِّفَاقَ الأَئِمَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهَا فَرِوَايَتَانِِ، الصَّوَابُ الثُّبُوت وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَة وَاخْتِيَارُ ابْن سُرَيْجِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَبِي الْوَفَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَتَثْبُتُ شُفْعَةُ الْجِوَارِ مَعَ الشِّرْكَةِ فِي حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ مِنْ طَرِيقٍ أَوْ مَاءٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِي الطَّرِيقِ وَقَالَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَلا يَحِلُّ الاحْتِيَال لإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ. انْتَهَى.