قَوْلُهُ: (لا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ) إلَى آخره ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الشَّرِيكِ إذَا أَرَادَ الْبَيْعَ أَنْ يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ بَاعَهُ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِلشَّرِيكِ الَّذِي لَمْ يُؤْذِنْهُ شَرِيكُهُ بِالْبَيْعِ، وَأَمَّا إذَا أَعْلَمَهُ الشَّرِيكُ بِالْبَيْعِ فَأَذِنَ فِيهِ فَبَاعَ ثُمَّ أَرَادَ الشَّرِيكُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْهَادَوِيَّةُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْبَتِّيُّ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ وَلا يَكُونُ مُجَرَّدُ الإِذْنِ مُبْطِلاً لَهَا وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْحَكَمُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ وُقُوعِ الإِذْنِ مِنْهُ بِالْبَيْعِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ. انتهى. واختار الشيخ تقي الدين أنها تسقط. قلت: والأقرب أنه إن أسقطها بعد ثبوت الثمن واستقراره سقطت شفعته، وقبل ذلك لا تسقط.
قَوْلُهُ: (مُنَجَّمَةٍ أَوْ مُقَطَّعَةٍ) شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي،، وَالْحَدِيثُ فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْعَرْضِ عَلَى الشَّرِيكِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
وَمَعْنَى الْخَبَرِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إنَّمَا هُوَ الْحَثُّ عَلَى عَرْضِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْبَيْعِ عَلَى الْجَارِ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الزَّبُونِ كَمَا فَهِمَهُ الرَّاوِي له فَإِِنَّهُ أَعْرَفُ بِمَا سَمِعَ.
قَوْلُهُ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ» قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: الْحَدِيثُ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: وَلا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ، وَقَدْ تَكَلَّمَ شُعْبَةُ فِي عَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ
أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ هُوَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ. انتهى. قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى:
وَعَبْدُ الْمَلِكِ هَذَا ثِقَةٌ مَأْمُونٌ، وَلَكِنْ قَدْ أُنْكِرَ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ قَالَ شُعْبَةُ: سَهَا فِيهِ عَبْدُ الْمَلِكِ فَإِنْ رَوَى حَدِيثًا مِثْلَهُ طَرَحْتُ حَدِيثَهُ ثُمَّ تَرَكَ شُعْبَةُ التَّحْدِيثَ عَنْهُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: هَذَا الْحَدِيثُ مُنْكَرٌ. وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَقَدْ أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ.