اللَّعْنُ الطَّرْدُ وَالْبُعْدُ عَنْ الرَّحْمَةِ ضِدُّ الرَّحْمَةِ «وَلَعَنَهُمْ اللَّهُ» فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِلَا وَاوٍ.
فَقَالَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ الْقَاضِي لَمْ يَعْطِفْهُ عَلَى جُمْلَةِ مَا قَبْلَهُ إمَّا لِأَنَّهُ دُعَاءٌ وَمَا قَبْلَهُ خَبَرٌ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ عِبَارَةً عَمَّا قَبْلَهُ فِي الْمَعْنَى بِأَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ هِيَ لَعْنَةُ رَسُولِهِ وَبِالْعَكْسِ قِيلَ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ اللَّعْنُ عَلَى مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ كَإِبْلِيسَ.
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَلْعَنْهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ لَعْنُهُمْ كَمَا فِي رِيَاضِ الصَّالِحِينَ لِلنَّوَوِيِّ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ» .
وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ «لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا» وَفِيهِ أَيْضًا «لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد «إنَّ الْعَبْدَ إذَا لَعَنَ شَيْئًا صَعِدَتْ اللَّعْنَةُ إلَى السَّمَاءِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا ثُمَّ تَهْبِطُ إلَى الْأَرْضِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَسَاغًا رَجَعَتْ إلَى الَّذِي لَعَنَ إنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِذَلِكَ وَإِلَّا رَجَعَتْ إلَى قَائِلِهَا» هَذَا الْمُعَيَّنِ وَأَمَّا لِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ لِأَصْحَابِ الْمَعَاصِي فَجَائِزٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: 18]-
وَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْته أَوْ سَبَبْته فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا» وَفِي رِوَايَةٍ «أَوْ جَلَدْته فَاجْعَلْهَا لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً» وَنَحْوَهُمَا فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلدُّعَاءِ عَلَيْهِ وَكَذَا السَّبُّ وَاللَّعْنُ لِحَدِيثِ «فَأَيَّمَا أَحَدٍ دَعَوْت عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ فَاجْعَلْهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً» فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ الدُّعَاءُ عَلَى أَحَدٍ بِلَا اسْتِحْقَاقٍ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أُجِيبَ تَارَةً يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ أَهْلًا لِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَكُونُ أَهْلًا فِي الظَّاهِرِ وَتَارَةً أَنَّ نَحْوَ السَّبِّ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ بَلْ جَارٍ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ كَقَوْلِهِ تَرِبَتْ يَمِينُك وَلَا كَبُرَتْ سِنُّك فَيُخَافُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إجَابَتِهِ بِمُجَرَّدِ الْإِيهَامِ فَيَتَدَارَكُ بِدَعْوَةٍ نَحْوِ الْقُرْبَةِ وَالْكَفَّارَةِ
«وَ» لَعَنَ «كُلُّ نَبِيٍّ» وَقَدْ كَانَ شَأْنُهُمْ «مُجَابُ الدَّعْوَةِ» لِأَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ مُجَابٌ لَا بَعْضٌ مِنْهُمْ فَالْوَصْفُ لَا لِلتَّخْصِيصِ بَلْ نَحْوُ التَّوْضِيحِ فَمَا قِيلَ إنَّ هَذِهِ جُمْلَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ عَطْفٌ عَلَى سِتَّةٌ لَعَنْتهمْ أَوْ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ لَعَنْتهمْ وَلَا يَصِحُّ عَطْفُ كُلُّ عَلَى فَاعِلِ لَعَنْتهمْ وَمُجَابُ صِفَةٌ لِئَلَّا يَلْزَمَ كَوْنُ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ غَيْرَ مُجَابِ الدَّعْوَةِ.
ذَكَرَهُ الْقَاضِي فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا ذَكَرْنَا قِيلَ قَوْلُهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إمَّا إخْبَارٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فَالْوَاوُ لِلْعَطْفِ وَإِمَّا إنْشَاءُ اللَّعْنِ أَيْ الدُّعَاءِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْوَاوُ اسْتِئْنَافٌ وَيُنَاسِبُهُ الْإِخْبَارُ بَعْدَهُ بِأَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ مُجَابُ الدَّعْوَةِ وَقَوْلُهُ كُلُّ نَبِيٍّ إمَّا حَالٌ مِنْ فَاعِلِ لَعَنْتهمْ أَوْ عَطْفٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ مُجَابُ الدَّعْوَةِ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ الْأَوَّلُ مِنْ السِّتَّةِ «الزَّائِدُ» الَّذِي زَادَ «فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى» يَعْنِي الْقُرْآنَ مَا لَيْسَ مِنْهُ نَظْمًا أَوْ خَطًّا أَوْ مَعْنًى أَوْ كَيْفِيَّةً وَأَدَاءً كُلُّ ذَلِكَ عَمْدًا وَكَذَا إدْخَالُ مَا لَيْسَ مِنْ الْقُرْآنِ دَلَالَةً أَوْ مُقَايَسَةً أَوْ اكْتِفَاءً
وَأَمَّا الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ بِالسُّنَّةِ أَوْ الْإِجْمَاعِ أَوْ الْقِيَاسِ فَقَدْ عَرَفْت أَنَّهَا رَاجِعَةٌ إلَى الْكِتَابِ وَمَأْخُوذَةٌ مِنْهُ أَوْ دَلَّ الْكِتَابُ عَلَى كَوْنِ كُلٍّ مِنْهَا حُجَّةً وَيَدْخُلُ فِيهِ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِالرَّأْيِ غَيْرِ مُحَافَظٍ فِيهِ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ وَلَوَازِمَ الْعَرَبِيَّةِ كَمَا فِي حَدِيثِ «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» وَفِي رِوَايَةٍ «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ» وَمِنْ هَاهُنَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ لَا يَجُوزُ الْخَوْضُ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ لِأَحَدٍ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا أَدِيبًا مُتَّسِعًا فِي مَعْرِفَةِ الْفِقْهِ وَالنَّحْوِ وَالْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ إلَّا بِرِوَايَةٍ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ يَجُوزُ لِمَنْ كَانَ جَامِعًا لِلْعُلُومِ الَّتِي يَحْتَاجُ الْمُفَسِّرُ إلَيْهَا كَاللُّغَةِ وَالنَّحْوِ وَالتَّصْرِيفِ وَالِاشْتِقَاقِ وَعُلُومِ الْبَيَانِ وَالْقِرَاءَاتِ وَأُصُولِ الدِّينِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَأَسْبَابِ النُّزُولِ وَالْقَصَصِ وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَالْفِقْهِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُبَيِّنَةِ لِتَفْسِيرِ الْمُجْمَلِ وَالْمُبْهَمِ وَالْخَامِسَ عَشَرَ عِلْمُ الْمَوْهِبَةِ الَّذِي يُورِثُهُ اللَّهُ تَعَالَى لِمَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ حَدِيثُ «مَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ وَرَّثَهُ اللَّهُ عِلْمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» وَسَيُفَصَّلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقِيلَ مَعْنَى الزِّيَادَةِ هُوَ التَّأْوِيلُ عَلَى هَوَى نَفْسِهِ لِتَرْوِيجِ هَوَاهُ وَبِدْعَتِهِ
وَأَمَّا التَّأْوِيلُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ وَيُحْتَمَلُ سِيَاقُهُ وَسِيَاقُهُ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِلشَّرْعِ فَمُرَخَّصٌ