(فَلَا تَسْمَحُ) فَلَا تَرْضَى (نَفْسُهُ بِأَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَتَصَدَّقَ مِنْهُ) مُحَافَظَةً عَلَى غَرَضِ التَّلَذُّذِ (وَهَذَا) السَّبَبُ (مَرَضٌ لِلْقَلْبِ عَسِيرُ الْعِلَاجِ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ خُبْثِ الطَّبْعِ (لَا سِيَّمَا فِي كِبَرِ السِّنِّ) ؛ لِأَنَّهُ يَشِيبُ ابْنُ آدَمَ وَيَشُبُّ فِيهِ خَصْلَتَانِ الْحِرْصُ وَطُولُ الْأَمَلِ، الْحَدِيثَ.
(فَإِنْ قَبِلَ الْعِلَاجَ فَبِكَثْرَةِ التَّأَمُّلِ فِيمَا وَرَدَ) مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ (مِنْ ذَمِّ الْبُخْلِ وَالْبُخَلَاءِ وَنُفُورِ الطَّبْعِ عَنْهُمْ وَذَمِّ الْمَالِ وَآفَاتِهِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15]- وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «اللَّهُمَّ مَنْ أَحَبَّنِي فَارْزُقْهُ الْعَفَافَ وَالْكَفَافَ وَمَنْ أَبْغَضَنِي فَأَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ» وَرُوِيَ أَنَّهُ مَاتَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ رَجُلٌ وَخَلَّفَ ابْنَيْنِ، وَقَصْرًا فَتَخَاصَمَا فِي قِسْمَتِهِ فَتَكَلَّمَتْ لَبِنَةٌ مِنْ الْقَصْرِ بِأَنْ لَا تَخَاصَمُوا لِأَجْلِي فَلَقَدْ كُنْت مَلِكًا عَمَّرْت ثَلَاثَمِائَةٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً ثُمَّ مِتَّ فَبَقِيتُ فِي الْقَبْرِ مِائَةً وَثَلَاثِينَ سَنَةً ثُمَّ رُفِعَ تُرَابِي وَجُعِلَ مِنِّي آنِيَةٌ فَبَقِيَتْ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ انْكَسَرْتُ وَرُمِيَتْ فِي الطَّرِيقِ مِائَةً وَثَلَاثِينَ سَنَةً ثُمَّ ضُرِبَتْ لَبِنَةً وَوُضِعَتْ فِي هَذَا الْقَصْرِ مُنْذُ ثَلَاثِمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً أَفَتُخَاصِمُونَ وَسَتَصِيرُونَ مِثْلِي فَاعْتَبِرُوا بِي.
وَعَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةٌ، وَإِنَّ فِتْنَةَ أُمَّتِي الْمَالُ، وَأَفْضَلُ أَمْوَالِ الدُّنْيَا الدِّرْهَمُ وَالدِّينَارُ وَآخِرُ الْأَوَّلِ هَمٌّ وَآخِرُ الثَّانِي هُوَ النَّارُ» (وَمَدْحِ السَّخَاءِ) كَمَا مَرَّ، وَفِي الْمَوَاقِفِ أَنَّهُ اُشْتُهِرَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يُؤْثِرُ الْمَحَاوِيجَ وَالْمَسَاكِينَ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَهْلِهِ حَتَّى تَصَدَّقَ فِي الصَّلَاةِ بِخَاتَمِهِ وَنَزَلَ - {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] .
وَفِي حَاشِيَةِ الْمَوْلَى حَسَنٍ جَلَبِيٌّ رُوِيَ أَنَّهُ مَرِضَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ فَنَذَرَ عَلِيٌّ، وَفَاطِمَةُ وَجَارِيَتُهُمَا إنْ عُوفِيَا صِيَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَعُوفِيَا، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمَا شَيْءٌ فَاسْتَقْرَضَ عَلِيٌّ ثَلَاثَةَ أَصْوَاعِ شَعِيرٍ مِنْ يَهُودِيٍّ وَطَحَنَتْ فَاطِمَةُ صَاعًا وَخَبَزَتْ خَمْسَةَ أَقْرَاصٍ عَلَى عَدَدِهِمْ فَعِنْدَ الْإِفْطَارِ قَالَ سَائِلٌ يَا أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ أَنَا مِسْكِينٌ مِنْ مَسَاكِينِ الْمُسْلِمِينَ أَطْعِمُونِي أَطْعَمَكُمْ اللَّهُ مِنْ مَوَائِدِ الْجَنَّةِ فَآثَرُوهُ بِهِ وَبَاتُوا، وَلَمْ يَطْعَمُوا شَيْئًا فَأَصْبَحُوا صِيَامًا، وَفِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ خَبَزَتْ خَمْسَةَ أَقْرَاصٍ مِنْ الصَّاعِ الثَّانِي فَعِنْدَ الْإِفْطَارِ سَأَلَ يَتِيمٌ فَآثَرُوهُ بِهِ، وَلَمْ يَطْعَمُوا شَيْئًا فَأَصْبَحُوا صِيَامًا، وَفِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ خَبَزَتْ خَمْسَةَ أَقْرَاصٍ مِنْ الصَّاعِ الثَّالِثِ فَعِنْدَ الْإِفْطَارِ سَأَلَ أَسِيرٌ فَآثَرُوهُ بِهِ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى - {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7]- الْآيَاتِ لَكِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مَدْخُولَةٌ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ (وَ) مَدْحِ (الزُّهْدِ) هُوَ مَا نُقِلَ عَنْ الْجُنَيْدِ اسْتِصْغَارُ الدُّنْيَا وَمَحْوُ آثَارِهَا مِنْ الْقَلْبِ.
وَعَنْهُ أَيْضًا هُوَ خُلُوُّ الْيَدِ مِنْ الْمِلْكِ وَالْقَلْبِ مِنْ التَّتَبُّعِ، وَعِنْدَ الشِّبْلِيِّ هُوَ أَنْ تَزْهَدَ فِيمَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَالَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زَيْدٍ هُوَ تَرْكُ الدُّنْيَا وَالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ كَذَا فِي الْقُشَيْرِيَّةِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رَكْعَتَانِ مِنْ زَاهِدٍ عَالِمٍ خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ الْمُتَعَبِّدِينَ الْمُجْتَهِدِينَ إلَى آخِرِ الدَّهْرِ أَبَدًا سَرْمَدًا قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ لِبَعْضِ التَّابِعِينَ أَنْتُمْ أَكْثَرُ أَعْمَالًا وَاجْتِهَادًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ، وَهُمْ كَانُوا خَيْرًا مِنْكُمْ لِكَوْنِهِمْ أَزْهَدَ مِنْكُمْ فِي الدُّنْيَا فَمَقَادِيرُ الْأَعْمَالِ مِنْ طَاعَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ قَلِيلَةً فِي الْحُسْنِ فَهِيَ كَثِيرَةٌ فِي التَّحَقُّقِ، وَعَمَلُ رَاغِبِي الدُّنْيَا، وَإِنْ كَثِيرًا فِي الْحِسِّ قَلِيلٌ فِي الْحَقِيقَةِ لِعَدَمِ سَلَامَتِهِمْ مِنْ قَوَادِحِ الْخُلُوصِ، وَعَنْ مَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ الْقُدْرَةُ عَلَى الطَّاعَةِ إنَّمَا تُمْكِنُ بِإِخْرَاجِ الدُّنْيَا مِنْ الْقَلْبِ، وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيِّ شَكَا بَعْضُ النَّاسِ إلَى بَعْضِ الصَّالِحِينَ أَنَّهُ يَعْمَلُ أَعْمَالَ الْبِرِّ، وَلَا يَجِدُ حَلَاوَةً فِي قَلْبِهِ قَالَ؛ لِأَنَّ عِنْدَك بِنْتَ إبْلِيسَ، وَهِيَ الدُّنْيَا، وَلَا بُدَّ لِلْأَبِ أَنْ يَزُورَ بِنْتَهُ فِي بَيْتِهَا، وَهُوَ قَلْبُك، وَلَا يُؤْثِرُ دُخُولَهُ إلَّا فَسَادًا.
وَقَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُعْطَى الزَّاهِدُ ثَوَابَ الْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ ثُمَّ يُقْسَمُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ثَوَابُ أَعْمَالِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْحِكَمِ (وَ) بِكَثْرَةِ (الْبَذْلِ تَكَلُّفًا) لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ طَبْعِهِ (حَتَّى يَصِيرَ) بِالْمُدَاوَمَةِ (طَبْعًا لَهُ.
وَالثَّالِثُ: حُبُّ الشَّهَوَاتِ وَاللَّذَّاتِ الْعَاجِلَةِ قَبْلَ الْمَوْتِ الَّتِي لَا وُصُولَ لَهَا إلَّا بِالْمَالِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِحُبِّ الدُّنْيَا) كَاللِّبَاسِ الْفَاخِرِ وَالْأَبْنِيَةِ الْعَالِيَةِ وَالْأَطْعِمَةِ النَّفِيسَةِ وَالْمَرَاكِبِ وَالْحَدَائِقِ.
حَاصِلُ الْكُلِّ حُبُّ الدُّنْيَا الَّتِي هِيَ رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ كَمَا رُوِيَ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، وَإِنْ كَانَ