وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَا يَجُوزُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى كَمَا لَا بِطَبْعِهَا لِعَدَمِ النَّصِّ وَلِعَدَمِ الْقِيَاسِ كَمَا عَرَفْت فَاعْتِقَادُ التَّشَاؤُمِ فِي غَيْرِ الثَّلَاثَةِ كَمَا يَكُونُ كَذِبًا بِالْعَدَمِ خَارِجٌ لِنِسْبَتِهِ يَسْتَلْزِمُ تَكْذِيبَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَكْفُرُ إنْ عَلَى قَصْدِ التَّكْذِيبِ عِيَاذًا بِاَللَّهِ تَعَالَى وَإِلَّا فَيَكْفُرُ أَيْضًا عِنْدَ مَنْ يَقُولُ لُزُومُ الْكُفْرِ كُفْرٌ وَلَا يَكْفُرُ عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِهِ بَلْ يُشْتَرَطُ الِالْتِزَامُ فِي كَوْنِهِ كَافِرًا فَافْهَمْ لَعَلَّ هَذَا الْجَوَابَ الثَّالِثَ هُوَ الْحَقُّ لِمَا عَرَفْت فَيَكُونُ إيجَادُ الشُّؤْمِ فِيهَا كَإِيجَادِ الْحَرَارَةِ وَالطَّبْخِ وَالْإِحْرَاقِ لِلنَّارِ فِي كَوْنِهِ مِنْ الْأُمُورِ الْعَادِيَّةِ الِاخْتِيَارِيَّةِ لَهُ تَعَالَى لَا بِإِيدَاعِ قُوَّةٍ مُوجِبَةٍ لِمَا ذُكِرَ، وَنَحْوُهُ الْأَلَمُ عِنْدَ الْجُرْحِ وَالشِّبَعُ عِنْدَ الطَّعَامِ كَمَا فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ لِلتَّفْتَازَانِيِ وَنُقِلَ عَنْ السَّنُوسِيِّ الِاتِّفَاقُ فِي إكْفَارِ مَنْ اعْتَقَدَ تَأْثِيرَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِطَبْعِهَا. (وَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي تَطْبِيقِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَفِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ» بِكَسْرِ الرَّاءِ مَنْ كَانَتْ إبِلُهُ مَرِيضَةً «عَلَى مُصَحِّحٍ» مَنْ كَانَتْ إبِلُهُ صَحِيحَةً (خَرَّجَهُ خ م عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا عَدْوَى» أَكْثَرُهُمْ حَمَلُوا الْأَوَّلَيْنِ عَلَى صِيَانَةِ الِاعْتِقَادِ) مِمَّا يُكَفِّرُ صَاحِبَهُ أَوْ يُبَدِّعُهُ عِنْدَ حُصُولِ تِلْكَ الْأَمْرَاضِ بِالْمُخَالَطَةِ عَلَى طَرِيقِ الِاتِّفَاقِ بِاعْتِقَادِ التَّأْثِيرِ مِنْ غَيْرِهِ تَعَالَى (كَمَا) فِي الْحَدِيثِ الْوَارِدِ (فِي) حَقِّ (الطَّاعُونِ) حَيْثُ كَرِهُوا الْقُدُومَ عَلَيْهِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ «فَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا فِرَارًا وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَلَسْتُمْ بِهَا فَلَا تَهْبِطُوا عَلَيْهَا» وَفِي رِوَايَةٍ «فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَمَنْ سَمِعَ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا يَقْدَمَنَّ عَلَيْهِ وَإِنْ وَقَعَ بِأَرْضٍ وَهُوَ بِهَا فَلَا يَخْرُجُ فِرَارًا مِنْهُ» نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ هَذَا أَيْ صِيَانَةُ الِاعْتِقَادِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - الْفِرَارُ مِنْهُ كَالْفِرَارِ مِنْ الزَّحْفِ (وَبَعْضُهُمْ) حَمَلَ (عَلَى أَنَّ الْمَنْفِيَّ) بِقَوْلِهِ لَا عَدْوَى. (التَّعْدِيَةُ بِالطَّبْعِ) فَيَجُوزُ السِّرَايَةُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا سِرَايَةَ مُطْلَقًا وَهُوَ الْأَكْثَرُ كَمَا أُشِيرَ آنِفًا (كَمَا يَعْتَقِدُهُ أَصْحَابُ الطَّبِيعَةِ) مِنْ الْفَلَاسِفَةِ (وَأَمَّا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَلْقِهِ فَجَائِزٌ) وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا نُقِلَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حِينَ تَوَجَّهَ إلَى الشَّامِ وَسَمِعَ أَنَّ الطَّاعُونَ فِيهَا رَجَعَ فَقِيلَ أَتَفِرُّ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ فِرَارِي مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَمَسْرُوقٍ وَالْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ فِرُّوا مِنْ الطَّاعُونِ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِرُّوا مِنْ هَذَا الرِّجْزِ فِي الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ وَرُءُوسِ الْجِبَالِ وَفِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَإِذَا تَزَلْزَلَتْ الْأَرْضُ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْفِرَارُ إلَى الصَّحْرَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] وَفِيهِ قِيلَ الْفِرَارُ مِمَّا لَا يُطَاقُ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ يُفِيدُ جَوَازَ الْفِرَارِ مِنْ الطَّاعُونِ إذَا نَزَلَ بِبَلَدِهِ وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِخِلَافِهِ انْتَهَى قَالَ الْحَمَوِيُّ فِي شَرْحِهِ قَوْلَهُ وَهُوَ يُفِيدُ جَوَازَ الْفِرَارِ مِنْ الطَّاعُونِ أَقُولُ فِي الْإِفَادَةِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَدَبَّرَ انْتَهَى قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ «إذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ» إلَخْ عَنْ الْخَطَّابِيِّ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ تَأْدِيبٌ وَتَعْلِيمٌ وَالْآخَرُ تَفْوِيضٌ وَتَسْلِيمٌ وَعَنْ التُّورْبَشْتِيِّ أَنَّهُ شُرِعَ لَنَا التَّوَقِّي مِنْ الْمَحْذُورِ وَقَدْ صَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمَّا بَلَغَ الْحِجْرَ مَنَعَ أَصْحَابَهُ مِنْ دُخُولِهِ» انْتَهَى وَعَنْ فَتَاوَى أَبِي مَسْعُودٍ الْفِرَارُ مِنْ الطَّاعُونِ بِنِيَّةِ الِالْتِجَاءِ مِنْ قَهْرِهِ إلَى لُطْفِهِ جَائِزٌ وَفِي شَرْحِ الشِّرْعَةِ عَنْ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ الْجُذَامَ كَالْجَرَبِ وَالْحَصْبَاءِ وَالْوَبَاءِ مِنْ الْأَمْرَاضِ الْمُتَعَدِّيَةِ بِإِذْنِهِ تَعَالَى لَا بِطَبْعِهَا كَمَا اُعْتُقِدَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا مَا قَالَ بَعْضٌ مِنْ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ مَنْ هُوَ فِي بَلَدٍ فِيهَا الطَّاعُونُ تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ كَالْمَرِيضِ وَمَنْ فِي الْمَعْرَكَةِ