وَالْقَزْوِينِيُّ أَيْضًا انْتَقَدَهُ عَلَى الْمَصَابِيحِ وَادَّعَى وَضْعَهُ لَكِنَّ الْعَلَائِيَّ نَازَعَهُمَا كَذَا فِي الْفَيْضِ. فَفِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَإِنْ وَافَقَ الْقِيَاسَ كَلَامُهُ سِيَّمَا عِنْدَ الِاحْتِجَاجِ بِهِ ابْتِدَاءً. (فَالْفَرَحُ بِمُصِيبَةِ الْعَدُوِّ مَذْمُومٌ جِدًّا) لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِانْعِكَاسِ الْمُصِيبَةِ عَلَيْهِ بِابْتِلَاءِ مَنْ شَمِتَ وَعَافِيَةِ مَنْ شَمِتَ عَلَيْهِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ ارْتِكَابُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (خُصُوصًا إذَا حَمَلَهَا) أَيْ تِلْكَ الْمُصِيبَةَ (عَلَى كَرَامَةِ نَفْسِهِ) يَعْنِي يَقُولُ الْحَاقِدُ إنَّ مُصِيبَةَ عَدُوِّي إنَّمَا هِيَ مِنْ كَرَامَتِي (أَوْ) عَلَى (إجَابَةِ دُعَائِهِ) كَأَنْ يَقُولَ مَا اُبْتُلِيَ بِهِ عَدُوِّي مِنْ هَذِهِ الْمُصِيبَةِ إنَّمَا هُوَ بِإِجَابَةِ دَعْوَتِي عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ عُجْبٌ وَتَزْكِيَةُ نَفْسٍ وَغُرُورٌ (بَلْ) يَجِبُ (عَلَيْهِ) عَلَى الْحَاقِدِ (أَنْ يَخَافَ) مِنْ مُصِيبَةِ عَدُوِّهِ (أَنْ تَكُونَ مَكْرًا) مِنْ اللَّهِ تَعَالَى (لَهُ) وَاسْتِدْرَاجًا لِلْحَاقِدِ حَيْثُ ابْتَلَى عَدُوَّهُ وَعَافَاهُ (وَ) يَجِبُ عَلَى الْحَاقِدِ أَنْ (يَحْزَنَ) عَلَى احْتِمَالِ كَوْنِهِ مَكْرَ اللَّهِ تَعَالَى (وَ) يَجِبُ أَيْضًا أَنْ (يَدْعُوَ) اللَّهَ (بِإِزَالَةِ بَلَائِهِ) أَيْ الْعَدُوِّ (وَ) يَدْعُوَ (بِأَنْ يَخْلُفَهُ) أَيْ عَدُوَّهُ اللَّهُ تَعَالَى (خَيْرًا مِمَّا فَاتَ) مِنْ النِّعَم بِتِلْكَ الْمُصِيبَةِ فِي الْوُجُوبِ هَذَا نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْوُجُوبِ مَعْنًى مَجَازِيٌّ ثُمَّ إنَّ هَذَا الدُّعَاءَ سَبَبٌ لِخَلَاصِ الْحَاقِدِ مِنْ تِلْكَ الْمُصِيبَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} [النساء: 85] .
أَخْرَجَ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ إنَّ دَعْوَةَ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ مُسْتَجَابَةٌ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ وَعِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ آمِينَ وَلَك بِمِثْلِ ذَلِكَ فَدَعْوَةُ الْمَلَكِ لَا تُرَدُّ» وَالتَّفْصِيلُ فِي الْبَيْضَاوِيِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) ذَلِكَ الْعَدُوُّ اسْتِدْرَاكٌ مِنْ قَوْلِهِ وَالْفَرَحُ مَذْمُومٌ أَوْ مِنْ قَوْلِهِ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَخَافَ (ظَالِمًا) لِلنَّاسِ (فَأَصَابَهُ بَلَاءٌ يَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ وَيَكُونُ لِغَيْرِهِ مِنْ الظَّلَمَةِ عِبْرَةٌ) يَعْتَبِرُونَ مِنْهُ وَيَنْزَجِرُونَ عَنْ إتْيَانِ مِثْلِهِ (وَنَكَالًا) نَكَلَ بِهِ يَنْكُلُ أَصَابَهُ بِنَازِلَةٍ (فَفَرَحُهُ حِينَئِذٍ بِزَوَالِ الظُّلْمِ) لَا بِإِصَابَةِ الْبَلَاءِ وَالْمُصِيبَةِ لَهُ فَلَا يَكُونُ مَذْمُومًا بَلْ غَيْرَةٌ فِي الدِّينِ وَالْغَيْرَةُ مِنْ الْإِيمَانِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ كُنْ غَيُورًا لِلَّهِ وَاحْذَرْ مِنْ الْغَيْرَةِ الطَّبِيعِيَّةِ الْحَيَوَانِيَّةِ أَنْ تُلَبِّسَ عَلَيْك نَفْسَك بِهَا وَالْمِيزَانُ أَنَّ الَّذِي يَغَارُ لِلَّهِ إنَّمَا يَغَارُ لِانْتِهَاكِ حُرُمَاتِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ.
(وَالثَّالِثُ) مِنْ غَوَائِلِ الْحِقْدِ (هَجْرُهُ) أَيْ الْمَحْقُودِ (وَعَدَاوَتُهُ وَهُوَ) أَيْ الْهِجْرَةُ وَالْعَدَاوَةُ.
(الثَّامِنَ عَشَرَ) مِنْ آفَاتِ الْقَلْبِ (د) أَبُو دَاوُد (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ» إمَّا بِالتَّغْلِيبِ أَوْ بِعُمُومِ الْمَجَازِ أَوْ؛ لِأَنَّ الذِّكْرَ مَتْبُوعٌ لِلْإِنَاثِ فَالْحُكْمُ لِلْكُلِّ قَالُوا إنَّ عَادَةَ الشَّرْعِ فِي الْحُكْمِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْأُنْثَى بِصِيغَةِ الذَّكَرِ وَفِي الْمُخْتَصِّ بِالْأُنْثَى بِصِيغَةِ الْأُنْثَى «أَنْ يَهْجُرَ مُؤْمِنًا» يَتْرُكَهُ وَيُقَاطِعَ عَنْهُ لَعَلَّهُ قَيْدٌ أَكْثَرِيٌّ أَوْ الذِّمِّيُّ فِي الْمُعَامَلَاتِ تَابِعٌ لِلْمُسْلِمِ «فَوْقَ ثَلَاثٍ» لَيَالٍ لَعَلَّ الثَّلَاثَ وَمَا دُونَهَا مَعْفُوٌّ لِلْحَرَجِ أَوْ تَخْصِيصِ الْفَوْقِ لِقُوَّةِ الْإِثْمِ، أَوْ الْمَفْهُومُ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ فِي الْأَدِلَّةِ عِنْدَنَا تَأَمَّلْ.
«فَإِذَا مَرَّتْ بِهِ ثَلَاثٌ» أَيْ لَيَالٍ وَالْهَجْرُ بَاقٍ «فَلْيَلْقَهُ» أَمَرَهُ بِالْمُلَاقَاةِ وَالْأَصْلُ فِي الْأَمْرِ الْوُجُوبُ «وَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ» لِلْوَصْلِ وَالْأُنْسِ، الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ وَالْقُرْآنُ فِي النَّظْمِ لَا يُوجِبُ الْقُرْآنَ فِي الْحُكْمِ عِنْدَنَا «فَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ» أَيْ عَلَى الْبَادِئِ بِالسَّلَامِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ كَمَا فِي حَدِيثِ «صِلْ مَنْ قَطَعَك وَاعْفُ عَمَّنْ ظَلَمَك وَأَحْسِنْ إلَى مَنْ أَسَاءَ إلَيْك» «فَقَدْ اشْتَرَكَا فِي الْأَجْرِ»