(وَالْبُغْضَ لَهُ وَإِرَادَةَ الشَّرِّ) وَزِيدَ فِي الْإِحْيَاءِ وَأَنْ يَدُومَ ذَلِكَ وَيَبْقَى (وَحُكْمُهُ) شَرْعًا (إنْ لَمْ يَكُنْ بِظُلْمٍ) فِي مَالِهِ وَبَدَنِهِ وَعِرْضِهِ (أَصَابَهُ مِنْهُ) مِنْ الْحَقُودِ عَلَيْهِ (بَلْ بِحَقٍّ وَعَدْلٍ كَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ فَحَرَامٌ) ؛ لِأَنَّ اللَّازِمَ وَحِينَئِذٍ انْقِيَادُهُ وَالْإِطَاعَةُ إلَيْهِ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إنَّمَا فَعَلَ مَا فَعَلَ بِأَمْرِهِ تَعَالَى وَأَنَّ فِعْلَهُ ذَلِكَ صِيَانَةٌ وَوِقَايَةٌ مُوجِبٌ لِلْحُبِّ لَا الْحِقْدِ (وَإِنْ كَانَ بِهِ) أَيْ إنْ كَانَ الْحِقْدُ بِسَبَبِ ظُلْمٍ أَصَابَهُ مِنْهُ (فَلَيْسَ بِحَرَامٍ) بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْبُغْضِ فِي اللَّهِ (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِ الْحَقِّ) لِعُتُوِّ الظَّالِمِ وَرِيَاسَتِهِ وَكَوْنِ الْمَظْلُومِ مِنْ أَخِسَّاءِ النَّاسِ (فَلَهُ التَّأْخِيرُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) هَذَا الْإِطْلَاقُ وَإِنْ سَلِمَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحُقُوقِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْعَرْضِيَّةِ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَالِيَّةِ لَا يَخْلُو عَنْ خَفَاءٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَفْصِيلًا
وَفِي قَاضِي خَانْ رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَمَاتَ الطَّالِبُ وَلَمْ يُؤَدِّ الْمَدْيُونُ الدَّيْنَ إلَى وَارِثِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلطَّالِبِ وَفِي الْمُنْيَةِ رَجُلٌ لَهُ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ فَتَقَاضَاهُ فَمَنَعَهُ ظُلْمًا فَمَاتَ صَاحِبُ الدَّيْنِ فَالْخُصُومَةُ فِي الظُّلْمِ بِالْمَنْعِ لِلْمَيِّتِ وَفِي الدَّيْنِ لِلْوَارِثِ هُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَهُ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ فَتَقَاضَاهُ فَمَنَعَهُ ظُلْمًا فَمَاتَ صَاحِبُ الدَّيْنِ قَالَ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ لَا يَكُونُ لِلْأَوَّلِ حَقُّ الْخُصُومَةِ، لِأَنَّ الْخُصُومَةَ بِسَبَبِ الدَّيْنِ وَقَدْ انْتَقَلَ إلَى الْوَرَثَةِ وَفِي صُلْحِ النَّوَازِلِ لَوْ مَاتَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ جَاحِدٌ فَالْأَجْرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ سَوَاءً اسْتَحْلَفَهُ أَوْ لَمْ يَسْتَحْلِفْهُ وَلَوْ قَضَى وَرَثَتَهُ بَرِئَ مِنْ الدَّيْنِ وَفِي بَعْضِ الْفَتَاوَى إنْ أَمْكَنَ اسْتِيفَاءٌ بِالْقَاضِي أَوْ الْوَالِي فَأَهْمَلَ وَأَخَّرَ إلَى الْآخِرَةِ فَيُنْقَلُ إلَى الْوَرَثَةِ وَإِلَّا فَلَا بَلْ لِلطَّالِبِ وَقِيلَ ثَوَابُ وِزْرِ الْأَذَى فِي عَدَمِ الْإِعْطَاءِ لِلطَّالِبِ وَثَوَابُ نَفْسِ الْمَالِ لِلْوَرَثَةِ وَقِيلَ هُنَا مِثْلُ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْحَقُّ بِطَرِيقِ الْحَقِّ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَالْقَرْضِ وَإِلَّا كَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ فَلِلطَّالِبِ فَقَطْ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ
أَقُولُ فِي دَلَالَةِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ خَفَاءٌ وَلَا بُدَّ لِمَا فَصَّلَهُ مِنْ بَيَانٍ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا حَدِيثًا لِإِثْبَاتِ مُدَّعَاهُ وَفِي تَقْرِيبِهِ أَيْضًا خَفَاءٌ (وَ) لَهُ (الْعَفْوُ وَهُوَ أَفْضَلُ) مِنْ التَّأْخِيرِ إلَى الْآخِرَةِ قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ أَخْذُ الْحَقِّ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ هُوَ الْعَدْلُ وَالْإِحْسَانُ بِالصَّدَقَةِ وَالْعَفْوُ هُوَ أَفْضَلُ وَالظُّلْمُ بِمَا لَا تَسْتَحِقُّهُ هُوَ الْجَوْرُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأَرَاذِلِ وَالْفَضْلُ إحْسَانُ الصِّدِّيقِينَ وَالْعَدْلُ مُنْتَهَى دَرَجَاتِ الصَّالِحِينَ وَسَيُشِيرُ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] وَالتَّقْوَى جِمَاعُ كُلِّ خَيْرٍ أَيْ أَقْرَبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَجْلِ التَّقْوَى وَلَا تَنْسَوْا الْفَضْلَ كَالْعَفْوِ وَالْإِحْسَانِ بَيْنَكُمْ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {خُذِ الْعَفْوَ} [الأعراف: 199] هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ لِلنَّبِيِّ خِطَابٌ لِأُمَّتِهِ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شِفَائِهِ وَأَمَّا الْعَفْوُ فَهُوَ تَرْكُ الْمُؤَاخَذَةِ، وَهَذَا مِمَّا أَدَّبَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ « {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: 199] رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -