لَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ اللَّهُ أَعْلَمُ بِالْبَرِّ مِنْكُمْ» .
وَعَنْ الْخَازِنِ عَلِمَ اللَّهُ حَالَكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ رِيَاءً وَخُيَلَاءَ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ تَعْرِفُوا حَقِيقَتَهُ أَنَا خَيْرٌ مِنْك أَوْ أَنَا أَزْكَى مِنْك أَوْ أَتْقَى مِنْك فَإِنَّ الْعِلْمَ عِنْدَ اللَّهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى وُجُوبِ خَوْفِ الْخَاتِمَةِ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ عَاقِبَةَ مَنْ هُوَ عَلَى التَّقْوَى {هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32] بِمَنْ بَرَّ وَأَطَاعَ وَأَخْلَصَ الْعَمَلَ لَا يَخْفَى أَنَّ دَلَالَةَ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ لَيْسَتْ بِوَاضِحَةٍ إلَّا بِلُزُومٍ خَفِيٍّ.
وَفِي الْبَقَرَةِ {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة: 194] فِي قَبُولِ طَاعَاتِهِمْ وَاسْتِجَابَةِ دَعَوَاتِهِمْ وَالْعَوْنِ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِمْ وَفِي إسْكَانِهِمْ فِي أَعْلَى غُرَفِ جِنَانِهِ فَانْظُرْ مَا فِي هَذِهِ مِنْ رُتْبَةِ الْمَعِيَّةِ الْإِلَهِيَّةِ وَتَقْدِيمِ الْأَمْرِ وَإِيثَارِ كَلِمَةِ التَّحْقِيقِيَّةِ وَالْإِظْهَارِ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ لِكَمَالِ الْعِنَايَةِ فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ هَذِهِ عَلَى مَا قَبْلَهَا كَمَا فِي تَرْتِيبِهِ الْأَصْلِيِّ وَفِي طَه {وَالْعَاقِبَةُ} [طه: 132] الْحَمِيدَةُ مِنْ الْفَوْزِ وَالسَّعَادَةِ {لِلتَّقْوَى} [طه: 132] لِذَوِي التَّقْوَى كَمَا فِي الْبَيْضَاوِيِّ وَفِي الْقَصَصِ {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83] مَا لَا يَرْضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِقَابُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَدَاءِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ.
وَعَنْ الْكَلْبِيِّ الْكَبَائِرُ وَالْفَوَاحِشُ وَفَسَّرَ الْعَاقِبَةَ بِالثَّوَابِ أَوْ الْجَنَّةِ وَفِي الزُّخْرُفِ {وَالآخِرَةُ} [الزخرف: 35] أَيْ ثَوَابُهَا أَوْ سَلَامَتُهَا أَوْ الْجَنَّةُ {عِنْدَ رَبِّكَ} [الزخرف: 35] مُخْتَصَّةٌ {لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 35] لِتَقْوَاهُمْ وَتَرْكِ دُنْيَاهُمْ لِنَيْلِ أُخْرَاهُمْ وَفِي ص {وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 49] مَرْجِعٍ أَيْ أَحْسَنُ مَرْجِعٍ وَمُنْقَلَبٍ وَفِي آلِ عِمْرَانَ {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ} [آل عمران: 133] عَظِيمَةٍ {مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] فَلْيُسْرِعْ عِنْدَ الذَّنْبِ إلَى الرُّجُوعِ لِلْمَغْفِرَةِ وَإِلَى التَّوْبَةِ مِنْ الْمَعَاصِي.
وَعَنْ الْبَغَوِيّ بَادِرُوا وَسَابِقُوا إلَى مَا يُوجِبُ الْمَغْفِرَةَ بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ أَوْ إلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَفِي الْبَيْضَاوِيِّ سَارِعُوا إلَى مَا تَسْتَحِقُّونَ بِهِ الْمَغْفِرَةَ كَالْإِسْلَامِ وَالتَّوْبَةِ وَالْإِخْلَاصِ {وَجَنَّةٍ} [آل عمران: 133] عَنْ الْخَازِنِ الْمَغْفِرَةُ إزَالَةُ الْعِقَابِ وَالْجَنَّةُ حُصُولُ الثَّوَابِ، وَفِيهِ إشْعَارٌ إلَى لُزُومِ مُسَارَعَةِ مَا يُوجِبُ الْمَغْفِرَةَ مِنْ نَحْوِ التَّوْبَةِ وَتَرْكِ الْمَنْهِيَّاتِ وَالْمُسَارَعَةِ إلَى الصَّالِحَاتِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى الْجَنَّةِ {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} [آل عمران: 133] أَيْ عَرْضُهَا كَعَرْضِهِمَا.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كَسَبْعِ سَمَوَاتٍ وَسَبْعِ أَرَضِينَ لَوْ وُصِلَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ كَمَا فِي الْبَيْضَاوِيِّ وَعَنْ الْوَاحِدِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يُرِيدُ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْ أَوْلِيَائِهِ.
وَعَنْ ابْنِ جَمِيلٍ أَيْ لَوْ جُعِلَتْ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ طَبَقًا طَبَقًا بِحَيْثُ تَكُونُ كُلُّ وَاحِدَةٍ سَطْحًا وَوُصِلَ الْبَعْضُ بِالْبَعْضِ كَانَ ذَلِكَ مِثْلُ عَرْضِ الْجَنَّةِ وَتَخْصِيصُ الْعَرْضِ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الطُّولَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَنَّ الطُّولَ لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ {أُعِدَّتْ} [آل عمران: 133] هُيِّئَتْ {لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133] لِتَقْوَاهُمْ عَنْ الشِّرْكِ وَالْكَبَائِرِ وَإِصْرَارِ الصَّغَائِرِ اُحْتُجَّ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى كَوْنِهَا مَخْلُوقَةً الْآنَ إذْ النُّصُوصُ مَحْمُولَةٌ عَلَى ظَوَاهِرِهَا لِإِمْكَانِهَا فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَعَنْ الْبَيْضَاوِيِّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُودِ الْجَنَّةِ وَكَوْنِهَا خَارِجَةً عَنْ هَذَا الْعَالَمِ.