(وَإِلَى غَيْرِهِ) بِالتَّعْلِيمِ، وَالْإِفْتَاءِ، وَالْعِظَةِ، وَالْقَضَاءِ (وَنَفْعَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ يَرْجِعُ إلَى الْعَامِلِ خَاصَّةً) يَعْنِي نَفْعَ سَائِرِ الْأَعْمَالِ لَا يَرْجِعُ إلَّا إلَى عَامِلِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا يَكُونُ نَفْعُهُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ أَفْضَلُ مِمَّا يَكُونُ لِنَفْسِهِ فَقَطْ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى احْتِمَالِ كَوْنِ مَا يَكُونُ لِنَفْسِهِ فَقَطْ قَوِيًّا عَمَّالَهُ وَلِغَيْرِهِ مَعًا لِتَسَاوِي احْتِمَالِ الْعَكْسِ فِيهِ أَيْضًا لَكِنْ يَشْكُلُ بِمِثْلِ حَدِيثِ: مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً إذْ الْآتِي بِمِثْلِ عَمَلِ الْعَامِلِ لِأَجْلِ رُؤْيَتِهِ مِنْهُ يُؤْجَرُ الْعَامِلُ مِثْلَ أَجْرِ ذَلِكَ الْآتِي فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا أَيْضًا نَعَمْ قَلِيلٌ وَلَيْسَ بِلَازِمٍ بِخِلَافِ الْعِلْمِ بَلْ طَبِيعَةٌ لَهُ وَعَارِضٌ لِلْعَمَلِ فَافْهَمْ.

وَأَمَّا إثَابَةُ دَالِّ الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ فَلَا يَبْعُدُ إرْجَاعُهُ إلَى الْعِلْمِ كَالتَّعْلِيمِ (قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ) صَاحِبُ الْهِدَايَةِ (عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى) مِنْ الْخَطَأِ، وَالزَّيْغِ فِي الْأَفْعَالِ، وَالْأَقْوَالِ سِيَّمَا فِي هَذَا الْقَوْلِ (وَكَذَا الِاشْتِغَالُ بِالزِّيَادَةِ) مِنْ تَحْصِيلِ الْعُلُومِ الدِّينِيَّةِ (بَعْدَمَا تَعَلَّمَ قَدْرَ مَا يَحْتَاج إلَيْهِ أَفْضَلُ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ هَذَا السَّوْقِ أَنْ يَكُونَ مَا قَبْلَهُ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فَإِذًا لَا فَضْلَ فِي الْعَمَلِ أَصْلًا، وَقَدْ قَالَ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ أَعْمَالِ الْبِرِّ.

حَاصِلُهُ إنْ أُرِيدَ مِنْ الْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ آنِفًا طَلَبُ الْعِلْمِ إلَى آخِرِهِ عُلِمَ الْحَالُ فَلَا نُسَلِّمُ حُصُولَ أَصْلِ الْفَضْلِ فِي الْعَمَلِ حِينَئِذٍ، وَإِنْ أُرِيدَ وَرَاءَ عِلْمِ الْحَالِ فَلَا نُسَلِّمُ صِحَّةَ التَّشْبِيهِ فِي قَوْلِهِ وَكَذَا الِاشْتِغَالُ. . . إلَخْ إذْ هُوَ حِينَئِذٍ تَشْبِيهُ الشَّيْءِ بِنَفْسِهِ (إذَا كَانَ لَا يَدْخُلُ النُّقْصَانُ فِي فَرَائِضِهِ) وَكَذَا الْوَاجِبَاتُ، وَالسُّنَنُ الْمُؤَكَّدَةُ وَلَا شَكَّ أَنَّ ظَاهِرَهُ الْقَصْرُ بِالْفَرَائِضِ، وَالْأَوْلَى التَّعْمِيمُ.

(وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمَا قُلْنَا) مِنْ نَفْعِ الْغَيْرِ أَيْضًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ» لَا مَا زَعَمَ بَعْضُ الزُّهَّادِ مِنْ أَفْضَلِيَّةِ الِاشْتِغَالِ بِالْعِبَادَةِ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهَا مَقْصُودَةً أَصْلِيَّةً، وَالْعِلْمُ وَسِيلَةٌ وَلِأَنَّ فِي الِاشْتِغَالِ بِهَا يَحْصُلُ الْحَالَاتُ السَّنِيَّةُ مِنْ مُشَاهَدَاتِ الْأَنْوَارِ وَرُؤْيَةِ الْأَنْبِيَاءِ الْكِبَارِ وَحُضُورِ الْقَلْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

قَالَ الْمَوْلَى الْمُحَشِّي: لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلنَّفْيِ مِنْ دَلِيلٍ وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَدِلَّةِ الْإِثْبَاتِ فَمُعَارَضٌ بِمِثْلِهَا بِأَدِلَّةِ النَّفْيِ كَمَا سَبَقَتْ الْإِشَارَةُ غَايَتُهُ مَا أُشِيرَ أَيْضًا أَنَّ التَّعْوِيلَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ هُوَ أَقْوَالُ الْفُقَهَاءِ وَلَا مَدْخَلَ لِدِرَايَةِ الْغَيْرِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ.

لَكِنَّ قَائِلَ هَذَا الْحُكْمِ هُوَ الْمُتَصَوِّفَةُ، وَقَدْ كَثُرَ فِيهِمْ الْمُجْتَهِدُ كَالْغَزَالِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ عَلَى أَنَّ كَوْنَ هَذِهِ مِمَّا اخْتَصَّ فَهْمُهُ بِالْمُجْتَهِدِ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ مِنْ الْعَالِمِ حَظٌّ فِيهِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ مَنْ يَتَقَاعَدُ لِلْعَمَلِ بَعْدَ تَحْصِيلِ عِلْمِ الْحَالِ وَمِنْ يَتَقَاعَدُ لَهُ بَعْدَ تَحْصِيلِ جَمِيعِ الْعُلُومِ وَكَلَامُ الْمُتَصَوِّفَةِ فِي الثَّانِي فَقَطْ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْأَوَّلِ لَكِنْ حِينَئِذٍ لَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَالسَّابِقُ إلَى الْخَاطِرِ الْفَاتِرِ أَنَّ مَنْ لَا يَأْخُذَ ذَوْقًا مِنْ الْعِلْمِ لِغَبَاوَتِهِ مَثَلًا فَالْأَفْضَلُ لَهُ الْعَمَلُ وَمِنْ لَا يَأْخُذُ ذَوْقًا مِنْ الْعَمَلِ كَذَلِكَ فَالْأَفْضَلُ لَهُ الْعِلْمُ كَمَا يَقْرَبُ إلَيْهِ كَلَامُ الْبَزَّازِيِّ بَعْضَ الْقُرْبِ.

(وَصِحَّةُ النِّيَّةِ) الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهَا فِي التَّعَلُّمِ (أَنْ يَطْلُبَ بِهِ) بِطَلَبِ الْعِلْمِ (وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى) رِضَاهُ (وَ) نَجَاةَ (الدَّارِ الْآخِرَةِ) وَثَوَابَهَا (وَلَا يَنْوِي بِهِ طَلَبَ الدُّنْيَا) كَالْجَاهِ، وَالْمَنَاصِبِ وَجَلْبِ الْمَالِ، وَالتَّعَزُّزِ بَيْنَ الْأَقْرَانِ وَغَيْرِهَا مِنْ اللَّذَّاتِ الْعَاجِلَةِ (وَقِيلَ إذَا أَرَادَ) طَالِبُ الْعِلْمِ (أَنْ يُصَحِّحَ نِيَّتَهُ يَنْوِي الْخُرُوجَ مِنْ الْجَهْلِ وَمَنْفَعَةَ الْخَلْقِ) بِالتَّعْلِيمِ وَنَحْوِهِ لَعَلَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ، وَالْخَطَابَةِ لَهُمْ سِيَّمَا عَدَمُ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ (وَإِحْيَاءَ الْعِلْمِ) بَقَاءَهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015