لِلتَّسَبُّبِ بِهَا وَقُوَّةِ إيصَالِهِ لِوُفُورِ الْأَجْرِ «وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ» الْحَفَظَةَ أَوْ مُطْلَقَ الْمَلَائِكَةِ «لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا» إكْرَامًا أَيْ تَوَاضُعًا أَوْ تَبَرُّكًا مِنْ الْمَسِّ أَوْ لِإِلْهَامِ عِلْمٍ أَوْ كُلِّ خَيْرٍ فَيَفِرُّ الشَّيْطَانُ لِمُضَادَّتِهِ بِالْمَلَكِ أَوْ تَعَطُّفًا أَوْ تَلَطُّفًا أَوْ دَفْعَ سُوءٍ «رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ» أَوْ لِإِيصَالِهِ إلَى مَقْصُودٍ أَوْ تَزَاحُمًا لِلزِّيَارَةِ لِطَالِبِ الْعِلْمِ «وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ» مَلَائِكَةٌ أَوْ حَيَوَانَاتٌ بَلْ النَّبَاتُ، وَالْجَمَادُ كَمَا قِيلَ لَكِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ قَوْلِهِ مَنْ الْحَقِيقَةُ فِي أُولِي الْعِلْمِ وَإِنْ أَمْكَنَ فِي نَفْسِهِ - {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44]- وَلَا يُلَائِمُ الْغَايَةَ فِي قَوْلِهِ.
«حَتَّى الْحِيتَانُ» جَمْعُ حُوتٍ السَّمَكُ «فِي الْمَاءِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «يَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْبَحْرِ» . فَإِنْ قِيلَ إنَّ اسْتِغْفَارَ الْحَيَوَانَاتِ الْعَجَمِ، وَالْجَمَادَاتِ غَيْرُ مَعْقُولٍ يَعْنِي خِلَافَ الْقِيَاسِ، وَالرَّاوِي هَذَا لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ بِالرِّوَايَةِ وَمِثْلُ هَذَا الْخَبَرِ الْوَاحِدِ، الْوَارِدِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ إذْ يُقَدَّمُ الْقِيَاسُ حِينَئِذٍ. قُلْنَا بَعْدَ تَسْلِيمِ عَدَمِ مَعْرُوفِيَّةِ الرَّأْيِ بِالرِّوَايَةِ لَا نُسَلِّمُ كَوْنَهُ خِلَافَ الْقِيَاسِ بَلْ الْقِيَاسُ أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ مُمْكِنٍ أَخْبَرَ بِهِ الصَّادِقُ فَثَابِتٌ وَأَنَّ النُّصُوصَ مَحْمُولَةٌ عَلَى ظَوَاهِرِهَا مَا لَمْ يَصْرِفْهَا صَارِفٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا أَقَلَّ مِنْ كَوْنِهِ خَبَرًا ضَعِيفًا.
وَقَدْ قَرَّرَ أَنَّ الْفَضَائِلِ تَثْبُتُ بِالْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ أَنْ يُنْطِقَ كُلَّ شَيْءٍ فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّ الْمُرَادَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِعَدَدِ كُلٍّ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانَاتِ اسْتِغْفَارَةً مُسْتَجَابَةً لَكِنْ يَشْكُلُ بِنَحْوِ الْكُفَّارِ بَلْ الْفُسَّاقِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ وَعَدَمُ اسْتِغْفَارِهِمْ ظَاهِرٌ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ مِنْ قَبِيلِ عَامٍّ خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ بِشَهَادَةِ الْعَقْلِ أَوْ الْحِسِّ أَوْ الْعَادَةِ وَحِينَئِذٍ حُجَّةٌ فِي الْبَاقِي ثُمَّ اسْتِغْفَارُ الْبَوَاقِي وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ لَكِنَّ الْوُقُوعَ عَلَى الْعُمُومِ لَيْسَ بِبَعِيدٍ نَحْوَ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ.
ثُمَّ وَجْهُ اسْتِغْفَارِهِمْ تَنَفُّعُهُمْ مِنْ بَرَكَةِ عِلْمِهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُفِيضُ الْخَيْرَ، وَالرَّحْمَةَ عَلَى الْكُلِّ بِبَرَكَةِ الْعِلْمِ وَبَرَكَةِ ثَمَرَتِهِ مِنْ الْعَمَلِ وَاكْتِسَابِ الصَّالِحَاتِ وَهَذَا أَقْرَبُ مِمَّا نُقِلَ عَنْ شَرْحِ الْمُنَاوِيِّ أَنَّ حِكْمَتَهُ أَنَّ صَلَاحَ الْعَالَمِ مَنُوطٌ بِالْعَالِمِ إذْ بِالْعِلْمِ أَنَّ الطَّيْرَ لَا يُؤْذَى وَلَا يُقْتَلُ إلَّا لِأَكْلِهِ وَلَا يُذْبَحُ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَلَا يُعَذَّبُ طَيْرٌ وَلَا غَيْرُهُ بِجُوعٍ وَلَا ظَمَأٍ إلَى آخَرِ مَا قَالَ «وَفَضْلُ الْعَالِمِ» الْعَامِلِ «عَلَى الْعَابِدِ» الْمُتَفَرِّغِ لِلْعِبَادَةِ وَلَوْ كَانَ لَهُ عِلْمٌ وَلَمْ يَجْرِ عَلَى مُقْتَضَى عِلْمِهِ مِنْ نَحْوِ التَّعْلِيمِ، وَالتَّدْرِيسِ، وَالْإِفْتَاءِ، وَالْقَضَاءِ، وَالْوَعْظِ وَتَصْنِيفِ الْكُتُبِ وَمُطَالَعَتِهَا وَهَذَا أَوْلَى مِمَّا يُقَالُ أَيْ الْعَامِلُ بِلَا عِلْمٍ إذْ حِينَئِذٍ لَا فَضْلَ لَهُ أَصْلًا «كَفَضْلِ الْقَمَرِ» لَيْلَةَ الْبَدْرِ «عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ» فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي أَنْفُسِهَا أَنْوَارًا لَكِنَّهَا عِنْدَ نُورِ الْقَمَرِ سِيَّمَا عِنْدَ الْبَدْرِ كَالْمُضْمَحِلِّ بَلْ أَكْثَرُهَا مُضْمَحِلٌّ بِالْكُلِّيَّةِ، وَفِي تَشْبِيهِ الْعَالِمِ بِالْقَمَرِ إشَارَةٌ إلَى تَعَدِّي الْعِلْمِ إلَى الْغَيْرِ وَانْتِفَاعِ الْعَالِمِ بِعِلْمِهِ إذَا عَلَّمَهُ كَمَا أَنَّهُ فِي تَشْبِيهِ الْعَابِدِ بِالنُّجُومِ إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ نَفْعِهِ لِلْغَيْرِ وَكَمَا أَنَّ نُورَ الْقَمَرِ مُسْتَفَادٌ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ كَذَلِكَ يُسْتَفَادُ نُورُ الْعَالِمِ مِنْ النَّيْرِ الْأَعْظَمِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَإِنَّ «الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ» ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَنْتَقِلُ مِنْ الْأَقْرَبِ وَأَقْرَبُ الْأُمَّةِ فِي نِسْبَةِ الدِّينِ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ أَعْرَضُوا عَنْ