وَيَأْخُذُ بِخِطَامِهَا وَيَقُولُ ارْجِعِي مَدْحُورَةً إلَى خَلْفِك فَتَقُولُ خَلِّ سَبِيلِي فَإِنَّك حَرَامٌ يَا مُحَمَّدُ عَلَيَّ فَيُنَادَى مِنْ سُرَادِقَاتِ الْعَرْشِ اسْمَعِي وَأَطِيعِي لَهُ ثُمَّ تُجْذَبُ وَتُجْعَلُ عَنْ شِمَالِ الْعَرْشِ فَيَخِفُّ وَجَلُ أَهْلِ الْمَوْقِفِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى - {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] » .
قِيلَ هَذِهِ هِيَ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى فَإِنَّ نَفْعَ هَذِهِ لَا يَخْتَصُّ بِأُمَّتِهِ بَلْ يَعُمُّ الْكُلَّ حَتَّى الْكُفَّارَ بِالتَّأْخِيرِ وَبِالتَّخَلُّصِ مِنْ هَذِهِ وَمِنْ سِيَادَتِهِ الْأُخْرَوِيَّةِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «آدَم وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي» الْمُرَادُ لِوَاءُ الْحَمْدِ وَهُوَ مَا رُوِيَ «لِوَاءٌ طُولُهُ مَسَافَةُ أَلْفِ سَنَةٍ قَبْضَتُهُ يَاقُوتٌ أَحْمَرُ وَرُمْحُهُ مِنْ الزُّمُرُّدِ لَهُ ثَلَاثُ شُقَقٍ إحْدَاهَا بِالْمَشْرِقِ وَالْأُخْرَى بِالْمَغْرِبِ وَالثَّالِثَةُ عَلَى مَكَّةَ مَكْتُوبٌ فِي إحْدَاهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَفِي الْأُخْرَى {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2] وَفِي الْأُخْرَى لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَيُؤْتَى بِالْعَرَصَاتِ فَيُنَادَى النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ الْعَرَبِيُّ الْقُرَشِيُّ الْحَرَمِيُّ التِّهَامِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَسَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ وَرَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَيَتَقَدَّمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَيَأْخُذُ اللِّوَاءَ بِيَدِهِ ثُمَّ يَجْمَعُ حَوَالَيْهِ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ آدَمَ إلَى عِيسَى - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ثُمَّ الصِّدِّيقُونَ ثُمَّ الصُّلَحَاءُ وَالشُّهَدَاءُ وَكَافَّةُ أَهْلِ الْعُرْفَانِ ثُمَّ يُحْضَرُ لِكُلِّ فِرْقَةٍ تَاجٌ وَحُلَّةٌ وَبُرَاقٌ ثُمَّ يُجَرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ عَلَمٍ وَسَبْعُونَ أَلْفَ لِوَاءٍ فَيُعْطِي لِوَاءَ الْحَمْدِ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْبَوَاقِيَ بِحِذَائِهِ وَوَرَائِهِ» فَمَنْ تَابَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْهَبُ بِهَذَا اللِّوَاءِ إلَى جَنَّةِ عَدْنٍ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا مُتَابَعَةَ هَذَا السَّيِّدِ الْمُبِينِ وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمْت عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ
وَفِي رِوَايَةٍ «يُؤْمَرُ إلَى الْمَلَائِكَةِ بِالْحَمْلِ وَلَمْ يَقْدِرُوا فَيُؤْمَرُ إلَى أَسَدِ اللَّهِ الْغَالِبِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَيَحْمِلُهُ كَقَبْضَةٍ مِنْ الْوَرْدِ بِلَا مُؤْنَةٍ» وَقِيلَ يُجْعَلُ كَتَاجٍ عَلَى رَأْسِهِ وَقِيلَ مَا دَامَ اللِّوَاءُ فِي الْعَرْصَاتِ يَخِفُّ الْعَذَابُ فِي الدَّرَكَاتِ وَإِذَا مَرَّ تَشْتَدُّ وَتَضُمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ ثُمَّ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَأْتِيَ هُنَا بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى مَنْ بُعِثَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ قَدْ عَرَفْت لُزُومَ الصَّلَاةِ عِنْدَ ذِكْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمُجَرَّدُ ذِكْرِهِ اللِّسَانِيِّ بِدُونِ الْخَطِّ الْبَيَانِيِّ لَوْ سَلَّمَ لَا يَلِيقُ بِمَنْصِبِ الْمُصَنِّف فِي التَّوَرُّعِ وَالِاحْتِيَاطِ
بَقِيَ أَنَّ فِي إيثَارِ الْمُصَنِّفِ مِنْ جُمْلَةِ أَوْصَافِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِيَادَتُهُ هَذِهِ إشَارَةٌ إلَى تَأْكِيدِ وَجْهِ الْمُتَابَعَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إلَى عُنْوَانِ خَاتِمِيَّهِ الْأَنْبِيَاءِ مُحْتَاجٌ إلَى عِنَايَةٍ يَسِيرَةٍ إذْ قَدْ عَرَفْت أَنَّ خِتَامَ الشَّيْءِ شَرَفُهُ وَنَتِيجَتَهُ وَثَمَرَتُهُ وَمِنْ شَأْنِهِ كَذَا لَازِمُ الِاتِّبَاعِ (فِي الْعَقَائِدِ) يَعْنِي أَنَّ الْفَوْزَ وَالسَّعَادَةَ مَقْصُورٌ بِمُتَابَعَتِهِ فِي الْعَقَائِدِ إلَخْ فَالظَّفَرُ مُتَعَلِّقٌ بِمُتَابَعَةٍ جَمْعُ عَقِيدَةٍ اسْمٌ لِمَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ الْقَلْبُ مِنْ الْمَعَانِي الدِّينِيَّةِ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ بِمَعْنَى مَا يَتَعَلَّقُ الْغَرَضُ بِنَفْسِ اعْتِقَادِهِ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقٍ بِكَيْفِيَّةِ الْعَمَلِ كَمَبَاحِثِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَالنُّبُوَّاتِ وَالْمَعَادِ ثُمَّ الظَّاهِرُ مِنْ الِاعْتِقَادِ الْيَقِينِيِّ فِي الْأُصُولِ وَالْأُمَّهَاتِ وَفِيمَا هُوَ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ الدِّينِيَّةِ أَيْضًا فِي اللَّوَاحِقِ وَالْفُرُوعَاتِ.
وَأَمَّا فِي الْبَعْضِ الْآخَرِ فَلَعَلَّ عَدَمَ ضَرَرِ الظُّنُونِ وَإِلَّا يَلْزَمُ إكْفَارُ كُلِّ فِرْقَةٍ فِرْقَةً أُخْرَى فِي الْأُصُولِ لِمُخَالَفَتِهَا لَهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ ذَلِكَ فِي أَقَلِّ قَلِيلٍ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ فِرْقَةً بَلْ أَزْيَدَ كَمَا سَيُشِيرُ الْمُصَنِّف فَمَا قِيلَ الظَّنُّ فِي هَذَا الْبَابِ كُفْرٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَلَى إطْلَاقِهِ وَقَدْ قِيلَ مُطْلَقُ هَذَا الِاعْتِقَادِ يَعُمُّ الظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ الْغَالِبَ الَّذِي لَا يَحْضُرُ مَعَهُ احْتِمَالُ النَّقِيضِ مُعْتَبَرٌ فِي الْإِيمَانِ فَإِنَّ إيمَانَ أَكْثَرِ الْعَوَامّ كَذَلِكَ ثُمَّ إنَّمَا قَدَّمَ الْعَقَائِدَ الَّذِي هُوَ عِلْمُ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ أَسَاسُ جَمِيعِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَصْلُهُ (وَ) فِي (الْأَقْوَالِ) لَعَلَّ الْأَوْلَى الِاكْتِفَاءُ بِالثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ لِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْأَقْوَالِ نَحْوُ الْإِقْرَارِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْإِيمَانِ لَا شَكَّ فِي دُخُولِهِ فِي الِاعْتِقَادِيَّاتِ كَمَا هُوَ عَادَةُ كُلِّ أَحَدٍ مَعَ عَدَمِ تَبَادُرِ اللَّفْظِ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَإِنْ أُرِيدَ مُطْلَقُ الْعِبَادَاتِ الْقَوْلِيَّةِ فَدَاخِلَةٌ فِي الْأَفْعَالِ لِأَنَّهُ يُقَالُ فِعْلُ اللِّسَانِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا وَعَمَلُ الْعَامَّةِ أَيْضًا كَذَلِكَ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ وَإِنْ دَخَلَتْ فِي الْأَقْوَالِ لَكِنْ لِزِيَادَةِ الِاعْتِنَاءِ بِأَمْرِ اللِّسَانِ وَآفَاتِهِ عُدَّ نَوْعًا مُقَابِلًا لَهَا فَلَا يُنَاسِبُ تَقْدِيمَهَا عَلَى الْأَخْلَاقِ بَلْ تُؤَخَّرُ عَنْ الْأَفْعَالِ وَعَطْفُ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ غَايَتُهَا أَنْ تُؤَخَّرَ عَنْ الْأَخْلَاقِ كَمَا فِي التَّرْتِيبِ الذِّكْرِيِّ الْآتِي هُنَا لَعَلَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ أَرَادَ رِعَايَةَ السَّجْعِ الْبَدِيعِيِّ مَعَ الْإِشَارَةِ اللَّطِيفَةِ بِاعْتِبَارِ الْإِقْرَارِ