أَنَّهَا كُلُّ ذَنْبٍ رَتَّبَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ حَدًّا أَوْ صَرَّحَ بِالْوَعِيدِ.
قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ: قَدْ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَاتُ فِيهَا فَرَوَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهَا تِسْعٌ: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ وَالزِّنَا وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ وَالسِّحْرُ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ وَالْإِلْحَادُ فِي الْحَرَمِ وَزَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَكْلَ الرِّبَا وَزَادَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - السَّرِقَةَ وَشُرْبَ الْخَمْرِ انْتَهَى - وَأَقُولُ وَزَادَ ابْنُ عُمَرَ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ وَزَادَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - الْإِيَاسَ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ وَالْقُنُوطَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَزَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الرُّجُوعَ إلَى الْأَعْرَابِيَّةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ اسْتِحْلَالَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ قِبْلَتَكُمْ، مَا مِنْ رَجُلٍ يَمُوتُ لَمْ يَعْمَلْ هَؤُلَاءِ الْكَبَائِرَ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ إلَّا كَانَ مَعَ النَّبِيِّ فِي دَارٍ مَصَارِعُ أَبْوَابِهَا مِنْ ذَهَبٍ.
زَادَ الدَّوَانِيُّ عَنْ الرُّويَانِيِّ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ اللِّوَاطَةَ وَأَخْذَ الْمَالِ غَصْبًا قِيمَتُهُ دِينَارٌ، وَشَهَادَةَ الزُّورِ وَالْإِفْطَارَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَقَطْعَ الرَّحِمِ وَالْخِيَانَةَ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَتَقْدِيمَ الصَّلَاةِ وَتَأْخِيرَهَا عَنْ وَقْتِهَا وَضَرْبَ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْكَذِبَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمْدًا وَسَبَّ الصَّحَابَةِ وَكِتْمَانَ الشَّهَادَةِ بِلَا عُذْرٍ وَأَخْذَ الرِّشْوَةِ وَالْقِيَادَةَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالسِّعَايَةَ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَمَنْعَ الزَّكَاةِ وَتَرْكَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَنِسْيَانَ الْقُرْآنِ بَعْدَ تَعَلُّمِهِ وَإِحْرَاقَ الْحَيَوَانِ وَامْتِنَاعَ الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا بِلَا سَبَبٍ وَالْأَمْنَ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِهَانَةَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَحَمَلَةِ الْقُرْآنِ، وَالظِّهَارَ وَأَكْلَ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ - فَإِنْ قِيلَ: أَنَّ الْعَدَدَ الْوَاقِعَ فِي كُلِّ رِوَايَةٍ سِيَّمَا مَا صَرَّحَ فِيهَا بِنَحْوِ سَبْعٍ أَوْ تِسْعٍ يَقْتَضِي الِاخْتِصَاصَ بِمَا وَقَعَ فِيهِ فَكَيْفَ التَّطْبِيقُ بَيْنَهُمَا - قُلْنَا: قَالَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ الْقَاضِي: لَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: كَيْفَ عَدَدُ الْكَبَائِرِ هُنَا ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا.
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ سَبْعًا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْحَصْرِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحُكْمَ مُطْلَقٌ وَالْمُطْلَقُ لَا يُفِيدُ الْحَصْرَ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْإِشْكَالَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِي النَّصِّ لَا يَرِدُ ابْتِدَاءً.
وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَصَعْبٌ إذْ مَفْهُومُ اللَّقَبِ وَمَفْهُومُ الْعَدَدِ وَاقِعٌ لَيْسَ لَهُمَا مِنْ دَافِعٍ وَأَيْضًا إذَا ثَبَتَ مَا قِيلَ: أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا فَالْإِشْكَالُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ مَعًا إلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَفْهُومُ لَا يُعَارِضُ الْمَنْطُوقَ وَأَنَّهُ يَجُوزُ وُرُودُ كُلِّ حَدِيثٍ لِوَاقِعَةٍ أَوْ جَوَابٍ لِحَادِثَةٍ - فَإِنْ قِيلَ: قَدْ عَرَفْنَا مِمَّا ذَكَرْت أَنَّ بَعْضَهَا بِالْأَحَادِيثِ وَبَعْضَهَا بِغَيْرِهَا كَمَا نَقَلَ الدَّوَانِيُّ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الرَّأْيُ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ - قُلْنَا: يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ كُلُّ ذَلِكَ أَوْ بَعْضُهُ مِنْ أَحَادِيثَ لَمْ نَقِفْ عَلَيْهَا وَعَدَمُ وِجْدَانِنَا لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى عَدَمِ الْوُجُودِ مُطْلَقًا وَيَجُوزُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ أَوْ الْمُقَايَسَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَرِدَ نَصُّ كُلِّ عَامٍّ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ كُلُّ مَا ذُكِرَ مِنْ أَفْرَادِهِ وَمِصْدَاقِهِ (لَا تُخْرِجُ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ مِنْ الْإِيمَانِ) وَلَوْ مُصِرًّا عَلَيْهَا لِبَقَاءِ التَّصْدِيقِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَلَا كَافِرٍ فَإِنْ قِيلَ: وَكَذَا عِنْدَ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ وَلَا كَافِرٍ قُلْنَا: مُرَادُهُ لَيْسَ بِكَافِرٍ مُجَاهِرٍ وَعِنْدَهُمْ لَيْسَ بِكَافِرٍ مُطْلَقًا (وَلَا تُدْخِلُهُ فِي الْكُفْرِ) خِلَافًا لِلْخَوَارِجِ فَإِنَّ عِنْدَهُمْ مُطْلَقًا الْمُذْنِبُ كَافِرٌ (وَلَا تُخَلِّدُهُ) أَيْ الْكَبِيرَةُ (فِي النَّارِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ} [الرحمن: 60] وَالْإِيمَانُ أَعْظَمُ الْإِحْسَانِ وقَوْله تَعَالَى - {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7]- خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ هَذَا إنْ قُدِّرَ لَهُ الدُّخُولُ إذْ يَجُوزُ لِبَعْضٍ أَنْ لَا يَدْخُلَ أَصْلًا لِأَنَّهُ يَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ.
(وَلَا تُحْبِطُ طَاعَتَهُ)