الْمَصَابِيح لِابْنِ مَلِكٍ.
(وَنُزُولِ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مِنْ السَّمَاءِ) إلَى الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيِّ دِمَشْقَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ أَنَّهَا مَنَارَةُ الْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ وَيُبْطِلُ الْجِزْيَةَ وَحَوَارِيُّوهُ أَصْحَابُ الْكَهْفِ وَيُقَرِّرُ أُمُورَ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ وَيَتَزَوَّجُ وَيُولَدُ لَهُ وَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً وَيُدْفَنُ فِي رَوْضَةِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَفِي رِسَالَةِ إعْلَامِ نُزُولِ عِيسَى لِلسُّيُوطِيِّ حَاصِلُهُ إنْ قُلْت هَلْ عَمَلُ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ بِاجْتِهَادِهِ أَوْ بِتَقْلِيدِ بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ قُلْت: لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ لِمُجْتَهِدٍ فَضْلًا عَنْ تَقْلِيدِ نَبِيٍّ لِمُجْتَهِدٍ فَإِمَّا بِأَنَّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ يَعْلَمُونَ جَمِيعَ الشَّرَائِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالْمُتَأَخِّرَةِ بِوَحْيٍ مِنْ اللَّهِ، وَإِمَّا بِأَنْ يَسْتَخْرِجَ جَمِيعَ الْأَحْكَامِ مِنْ الْقُرْآنِ بِلَا احْتِيَاجٍ إلَى الْأَحَادِيثِ، وَإِمَّا بِأَنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعَ بَقَائِهِ عَلَى نُبُوَّتِهِ مَعْدُودٌ فِي أُمَّةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَاخِلٌ فِي زُمْرَةِ صَحَابَتِهِ وَقَدْ لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَأْخُذَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يُخَالِفُ الْإِنْجِيلَ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ السُّبْكِيُّ لَكِنْ يَشْكُلُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَوْنُ نَبِيِّ أُمَّةٍ نَبِيَّ أُخْرَى وَأَنَّهُ يَمْتَنِعُ اجْتِمَاعُ الْأُمِّيَّةِ وَالنُّبُوَّةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَا يَقْتَضِي الْمَعْدُودِيَّةُ الْحَقِيقَةَ بَلْ الْمُرَادُ تَجَوُّزٌ عَلَى سَبِيلِ التَّشْبِيهِ، نَعَمْ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُعَبَّرَ بِمَا يُوهِمُ مَا لَا يَجُوزُ وَإِمَّا بِأَنْ يَعْمَلَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشَافَهَةً وَهُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيُّ.
وَقَدْ عَدَّهُ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ مِنْ جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ وَالْخَضِرِ وَإِلْيَاسَ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ خَبَرٌ غَرِيبٌ (وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا) فَيَمْتَنِعُ قَبُولُ التَّوْبَةِ قِيلَ فِي وَجْهِهِ أَنَّ النَّاسَ حِينَئِذٍ كَالْيَائِسِينَ الْمُحْتَضَرِينَ فَكَمَا لَا يُقْبَلُ إيمَانُ الْيَأْسِ لَا تُقْبَلُ هَذِهِ التَّوْبَةُ وَقِيلَ عَنْ اللَّقَانِيِّ قِصَّةُ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعَ مُحَاجَّةِ نُمْرُودَ فَإِنَّ الْمَلَاحِدَةَ وَالْمُنَجِّمِينَ أَنْكَرُوا إمْكَانَ إتْيَانِ الشَّمْسِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَلَمْ تَقُمْ حُجَّةٌ عَلَى النُّمْرُودِ فَيُرِي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قُوَّةَ قُدْرَتِهِ قَبْلُ وَكَذَا حِكْمَةُ سَائِرِ آيَاتِهِ وَقِيلَ: عَنْ إخْرَاجِ أَبِي نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ فِي الْفِتَنِ يَبْقَى النَّاسُ بَعْدَ هَذَا الطُّلُوعِ مِائَةٌ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَقِيلَ: عَنْ التَّوْفِيقِ أَوَّلُ هَذِهِ الْآيَاتِ الطُّلُوعُ وَالدَّابَّةُ تَخْرُجُ عَلَى النَّاسِ ضُحًى وَلَا نَصَّ فِي تَرْتِيبِ الْغَيْرِ.
وَفِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أُسَيْدَ الْغِفَارِيِّ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّهَا أَيْ السَّاعَةَ لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْا قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ فَذَكَرَ الدُّخَّانَ وَالدَّجَّالَ وَالدَّابَّةَ وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَثَلَاثَ خَسُوفَاتٍ خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إلَى مَحْشَرِهِمْ» وَالْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ فِي هَذِهِ الْأَشْرَاطِ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَقَدْ رُوِيَ أَحَادِيثُ فِي تَفَاصِيلِهَا انْتَهَى. (وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ وَكَرَفْعِ الْقُرْآنِ مِنْ الصُّدُورِ وَالْمَصَاحِفِ وَهَدْمِ الْكَعْبَةِ هَذِهِ هِيَ الْأَشْرَاطُ الْكُبْرَى.
وَأَمَّا الصُّغْرَى فَمَا فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ وَالتِّرْمِذِيِّ «مِنْ رَفْعِ الْعِلْمِ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ وَظُهُورِ الْجَهْلِ وَفُشُوِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَذَهَابِ الرِّجَالِ وَبَقَاءِ النِّسَاءِ إلَى أَنْ يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةٍ قَيِّمٌ وَاحِدٌ» وَأَيْضًا فِي الْحَدِيثِ «مِنْهَا كَثْرَةُ الْمَسَاجِدِ وَقِلَّةُ الْجَمَاعَةِ وَتَطْوِيلُ الْأَبْنِيَةِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَكَثْرَةُ الْغِيبَةِ وَتَرْكُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَإِمَارَةُ الْأَشْرَارِ وَاشْتِغَالُ الرِّجَالِ بِالرِّجَالِ وَتَجْصِيصُ الْقُبُورِ وَتَشَرُّفُ الْفَاسِقِ وَضَعْفُ الْمُؤْمِنِ وَبَيْعُ الْحُكْمِ وَسَفْكُ الدِّمَاءِ وَقَطْعُ الْأَرْحَامِ وَاتِّخَاذُ الْقُرْآنِ مَكْسَبَةً وَمَزَامِيرَ» وَنَحْوُهَا (كُلُّهُ حَقٌّ) أَيْ كُلُّ