{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]- اعْلَمْ أَنَّ مَا لَا يُطَاقُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: مَا يَمْتَنِعُ فِي نَفْسِهِ كَشَرِيكِ الْبَارِي عَزَّ اسْمُهُ: فَلَا يَجُوزُ وَلَا يَقَعُ تَكْلِيفُهُ اتِّفَاقًا وَمَا يُمْكِنُ فِي نَفْسِهِ وَلَا يُمْكِنُ فِي الْعَبْدِ عَادَةً كَخَلْقِ الْأَجْسَامِ فَلَا يَقَعُ اتِّفَاقًا وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ لَا عِنْدَنَا وَالثَّالِثَةِ مَا يُمْكِنُ مِنْ الْعَبْدِ لَكِنْ تَعَلَّقَ بِعَدَمِهِ عِلْمُهُ تَعَالَى وَإِرَادَتُهُ وَخَبَرُهُ نَحْوَ - {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1]- فَيَجُوزُ وَيَقَعُ بِالِاتِّفَاقِ فَإِمَّا أَنْ لَا يُعْتَبَرَ هَذَا الثَّالِثُ مِمَّا لَا يُطَاقُ لِإِمْكَانِهِ لِنَوْعِ الْعَبْدِ وَإِمَّا يُرَادُ مِنْ عَدَمِ الْوُسْعِ بِالنَّظَرِ إلَى نَوْعِ الْعَبْدِ أَوْ يُرَادُ كَمَالُ عَدَمِ الْوُسْعِ
(وَالْمَقْتُولُ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ) فِي الْوَقْتِ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَمُوتُ فِيهِ قَالَ الْخَيَالِيُّ: وَلَوْ لَمْ يُقْتَلْ لَجَازَ أَنْ يَمُوتَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَأَنْ لَا يَمُوتَ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ بِامْتِدَادِ الْعُمُرِ وَلَا بِالْمَوْتِ بَدَلَ الْقَتْلِ وَعُلِّلَ بِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الْقَتْلِ لَا قَطْعَ بِوُجُودِ الْأَجَلِ وَلَا بِعَدَمِهِ، فَلَا قَطْعَ بِالْمَوْتِ وَلَا بِالْحَيَاةِ خِلَافًا لِلْعَلَّافِ فِي الْجَزْمِ بِالْمَوْتِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَقُولُ: إذَا كَانَ الْوَقْتُ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلِمَهُ لِلْمَوْتِ مُعَيَّنًا فَلَا يَجُوزُ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ وَلَا يَخْتَلِفُ بِالْمَوْتِ وَالْقَتْلِ فَيَلْزَمُ الْقَطْعُ بِالْمَوْتِ لَوْلَا الْقَتْلُ وَإِلَّا يَلْزَمُ تَبْدِيلُ الْقَوْلِ وَانْقِلَابُ الْعِلْمِ جَهْلًا وَلَوْ بُنِيَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْأَجَلِ الْمُبْرَمِ وَالْمُعَلَّقِ بِمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى قَدَّرَ عُمُرَهُ أَرْبَعِينَ مَعَ الْقَتْلِ وَسِتِّينَ بِدُونِهِ فَلَا تَبَدُّلَ وَتَغَيُّرَ فِي نَفْسِهِ وَفِي عِلْمِهِ تَعَالَى لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُ كَوْنَ عَبْدِهِ مَقْتُولًا فِيمَا لَا يُزَالُ وَكَوْنَ عُمُرِهِ أَرْبَعِينَ مَثَلًا وَعِنْدَ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ قَبْلَ الْأَجَلِ وَالْقَاتِلُ قَطَعَ أَجَلَهُ وَلَوْلَا الْقَتْلُ يَمْتَدُّ عُمُرُهُ إلَى الْأَجَلِ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا نَحْوَ قَوْله تَعَالَى - {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس: 49]- وَالنُّصُوصُ مَحْمُولَةٌ عَلَى ظَوَاهِرِهَا وَالتَّأْوِيلُ خِلَافٌ لَا يُرْجَعُ إلَيْهِ بِلَا دَلِيلٍ وَاحْتَجَّتْ الْمُعْتَزِلَةُ بِالْأَحَادِيثِ الظَّاهِرَةِ فِي كَوْنِ بَعْضِ الطَّاعَةِ يُزِيدُ الْعُمُرَ وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَيِّتًا بِأَجَلِهِ لَمَا اسْتَحَقَّ الْقَاتِلُ ذَمًّا وَعِقَابًا وَقِصَاصًا وَأُجِيبُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ هَذِهِ الطَّاعَةَ لَكَانَ عُمُرُهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَكِنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ يَفْعَلُهَا وَيَكُونُ عُمُرُهُ سَبْعِينَ سَنَةً فَنُسِبَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ إلَى تِلْكَ الطَّاعَةِ وَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ فَضْلَ عُمُرِهِ الْقَلِيلِ بِهَذِهِ الطَّاعَةِ كَفَضْلِ الْعُمُرِ الْكَثِيرِ بِدُونِ تِلْكَ الطَّاعَةِ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ لِلْقَاتِلِ مَدْخَلًا فِي مَوْتِ الْمَقْتُولِ لِأَنَّ خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى الْقَتْلَ فِي الْمَقْتُولِ إنَّمَا هُوَ بِسَبَبِ فِعْلِهِ الَّذِي هُوَ الضَّرْبُ مَثَلًا وَأَنَّهُ تَعَبُّدٌ لَا يَلْزَمُ عَلَيْنَا مَعْرِفَةُ عِلَّتِهِ وَحِكْمَتِهِ (وَالْأَجَلُ وَاحِدٌ) خِلَافًا لِلْكَعْبِيِّ فِي أَنَّ لِلْمَقْتُولِ أَجَلَيْنِ قَتْلٌ وَمَوْتٌ وَلَوْ لَمْ يُقْتَلْ لَعَاشَ إلَى أَجَلِ الْمَوْتِ وَلِلْفَلَاسِفَةِ فِي أَنَّ لِلْحَيَوَانِ أَجَلًا طَبِيعِيًّا وَهُوَ وَقْتُ مَوْتِهِ لِتَحَلُّلِ الرُّطُوبَةِ وَانْطِفَاءِ الْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّتَيْنِ