الِانْكِشَافِ التَّامِّ بِالْبَصَرِ (جَائِزَةٌ فِي الْعَقْلِ) بِمَعْنَى أَنَّ الْعَقْلَ إذَا خُلِّيَ وَنَفْسَهُ لَمْ يَحْكُمْ بِامْتِنَاعِ رُؤْيَتِهِ مَا لَمْ يَقُمْ لَهُ بُرْهَانٌ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ كَذَا فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ لِأَنَّ الْأَصْلَ قِيَامُ الْبُرْهَانِ عَلَى وُجُودِهِ لَا عَلَى عَدَمِهِ هَذَا ضَرُورِيٌّ وَقَدْ اسْتَدَلَّ عَلَى الْجَوَازِ إمَّا عَقْلًا فَلِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْجَوْهَرِ وَالْعَرَضِ لَيْسَ إلَّا الْوُجُودُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْوَاجِبِ إذْ الْحُدُوثُ أَوْ الْإِمْكَانُ عَدَمِيٌّ وَلَا مَدْخَلَ لِلْعَدَمِ فِي الْعِلِّيَّةِ وَالْوُجُودُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الصَّانِعِ وَغَيْرِهِ وَأَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ حَتَّى الطُّعُومِ وَالرَّوَائِحِ وَالْعُلُومِ يَجُوزُ رُؤْيَتُهَا لِلْوُجُودِ وَأَمَّا سَمْعًا فَلِأَنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - طَلَبَ الرُّؤْيَةَ وَاَللَّهُ تَعَالَى عَلَّقَهَا عَلَى الْمُمْكِنِ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ اسْتِقْرَارُ الْجَبَلِ وَالْقَوْلُ أَنَّهُ إنَّمَا يَطْلُبُ الْعِلْمَ أَوْ رُؤْيَةَ آيَةٍ أَوْ لِأَجْلِ الْقَوْمِ أَوْ لِزِيَادَةِ الطُّمَأْنِينَةِ بِالِامْتِنَاعِ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ كَمَا فِي تَهْذِيبِ الْكَلَامِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُرَى فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ: لَا وَقِيلَ نَعَمْ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ هَذِهِ الرُّؤْيَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُؤْيَةً حَقِيقَةً وَحُكِيَ الْقَوْلُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ لَكِنَّ مُعْظَمَهُمْ شَرَطُوا مِنْ غَيْرِ كَيْفِيَّةٍ وَجِهَةٍ.
قَالَ التَّفْتَازَانِيُّ: وَلَا خَفَاءَ أَنَّهَا نَوْعُ مُشَاهَدَةٍ تَكُونُ بِالْقَلْبِ دُونَ الْعَيْنِ وَفِي بَعْضِ حَوَاشِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ التِّرْمِذِيِّ قَالَ: رَأَيْت رَبِّي فِي الْمَنَامِ أَلْفَ مَرَّةٍ فَقُلْت إنِّي أَخَافُ مِنْ زَوَالِ الْإِيمَانِ فَأَمَرَنِي فِي كُلِّ مَرَّةٍ بِهَذَا التَّسْبِيحِ بَيْنَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَفَرِيضَتِهِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ أَسْأَلُك أَنْ تُحْيِيَ قَلْبِي بِنُورِ مَعْرِفَتِك أَبَدًا يَا اللَّهُ يَا اللَّهُ يَا اللَّهُ يَا بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يَزِيدَ رَأَيْت رَبِّي فِي الْمَنَامِ فَقُلْت: كَيْفَ الطَّرِيقُ إلَيْكَ؟ فَقَالَ: اُتْرُكْ نَفْسَك.
وَفِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الْبَزَّازِيِّ جَوَّزَهَا رُكْنُ الْإِسْلَامِ الصَّفَّارُ وَأَكْثَرُ الْمُتَصَوِّفَةِ وَلَمْ يُجَوِّزْهَا أَكْثَرُ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ وَمُحَقِّقِي بُخَارَى حَتَّى قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ مُدَّعِيهَا أَشَرُّ مِنْ عَابِدِ الْوَثَنِ إذْ الْمَرْئِيُّ خَيَالٌ وَمِثَالٌ يَجِبُ تَنْزِيهُهُ تَعَالَى عَنْهُ لَكِنْ أَوَّلَ بَعْضُهُمْ مُرَادَهُمْ فَجَعَلُوا الْقَوْلَيْنِ مُتَّحِدَيْنِ كَمَا سَبَقَ الْإِشَارَةُ (وَاجِبَةٌ) غَيْرُ مُخْتَلَفٍ وُقُوعَهَا (بِالنَّقْلِ) يَعْنِي بِالنَّقْلِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ أَوْ إجْمَاعَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَالْكَذِبُ وَخُلْفُ الْوَعْدِ مُحَالَانِ عَلَى الشَّارِعِ (فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ) وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا وَإِنْ كَانَتْ جَائِزَةً لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَأَمَّا الْوُقُوعُ فَفِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ لِلدَّمِيرِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَبَّهُ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ بِعَيْنِ الرَّأْسِ عَلَى رِوَايَةِ كَثِيرٍ مِنْ كِبَارِ الْأَصْحَابِ خِلَافًا لِلْأَكْثَرِينَ مِنْهُمْ أَيْضًا.
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ أَنَّهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ ثُمَّ صَحَّحَ كَوْنَ الرُّؤْيَةِ بِالْفُؤَادِ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: 11] حَيْثُ أُضِيفَ إلَى الْفُؤَادِ ثُمَّ الرُّؤْيَةُ بِالْآخِرَةِ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِالْجَنَّةِ بَلْ فِي الْعَرَصَاتِ أَيْضًا كَمَا فِي تَذْكِرَةِ الْقُرْطُبِيِّ وَقِيلَ بَلْ فِي الْقَبْرِ وَعِنْدَ نَزْعِ الرُّوحِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَرَى فِي الْجَنَّةِ أَبَدًا لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْبُعْدِ لَكِنْ فِي التَّذْكِرَةِ أَنَّ الْكُفَّارَ يَرَوْنَهُ فِي الْقِيَامَةِ مَرَّةً لِازْدِيَادِ الْعُقُوبَةِ لِفَوْتِ فُرْصَةِ مِثْلِ هَذِهِ اللَّذَّةِ وَأَمَّا الْأَدِلَّةُ فَنَحْوُ قَوْله تَعَالَى - {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة: 22] {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23]- وَحَدِيثِ «إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ» وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ ظُهُورِ الْمُخَالِفِ (فَيُرَى لَا فِي مَكَان وَلَا عَلَى جِهَةٍ) مِنْ الْجِهَاتِ السِّتِّ (مِنْ مُقَابَلَةٍ وَاتِّصَالِ شُعَاعٍ) مِنْ بَصَرِ الرَّائِي إلَى اللَّهِ تَعَالَى (وَثُبُوتِ مَسَافَةٍ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّائِي لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ