لَيْلًا وَنَهَارًا بَلْ سِنِينَ وَدُهُورًا (وَكَسْبُ الْحَلَالِ) الَّذِي لَهُ حَظٌّ إلَى الْفَرْضِيَّةِ (وَلُزُومُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَاتِ) فِي الْمَكْتُوبَاتِ (فِي الْأَمْصَارِ) فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ (أَحَبُّ وَأَلْزَمُ) لِوُجُوبِهِ وَافْتِرَاضِهِ وَلِاسْتِحْبَابِهِ أَيْضًا (انْتَهَى) لَا يَخْفَى أَنَّ كَلِمَةَ أَحَبُّ وَأَلْزَمُ تُوجِبُ أَنْ يُوجَدَ أَصْلُ الْمَحَبَّةِ وَاللُّزُومِ فِي خِلَافِهِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ الْكَرَاهَةُ فِيمَا يَكُونُ لَهُ حُسْنٌ شَرْعِيٌّ وَلَوْ فِي الْجُمْلَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ بِمَعْنَى أَصْلِ الْفِعْلِ أَوْ لِإِيذَانِ كَوْنِ مَا ذُكِرَ مُبَالَغًا فِي الْمَحَبَّةِ وَكَامِلًا قَوِيًّا فِي اللُّزُومِ يَعْنِي قَوِيَ فِي الْمَحَبَّةِ وَقَوِيَ فِي اللُّزُومِ فَاعْرِفْهُ وَوَجْهُ الِاحْتِجَاجِ لَيْسَ بِخِلَافٍ فِي كَلَامِ التتارخانية
فَإِنْ قِيلَ دَلَالَةُ هَذَا الْكَلَامِ بِالْمَطْلُوبِ أَقْوَى مِمَّا فِي كَلَامِ الِاخْتِيَارِ فَلِمَ قَدَّمَهُ عَلَيْهِ
قُلْنَا: لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لِمُصَنِّفِهِ صَاحِبِ الْمُخْتَارِ أَحَدُ الْمُتُونِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي أَجْمَعَ عَلَى وَثَاقَتِهَا عَلَى سَائِرِ الْكُتُبِ وَأَنَّ الشُّرُوحَ مُقَدَّمَةٌ فِي الْوَثَاقَةِ عَلَى الْفَتَاوَى كَمَا أَنَّ الْمُتُونَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الشُّرُوحِ كَمَا فِي الْفِقْهِيَّةِ (فَإِنْ قُلْت يُعَارِضُ مَا ذَكَرْت) هُنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ وَكَلَامِ الْفُقَهَاءِ مِنْ مَنْعِ الرِّيَاضَةِ وَكَثْرَةِ الْمُجَاهَدَةِ (مَا نُقِلَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مَفْعُولُ يُعَارِضُ أَوْ فَاعِلُهُ الْأَوَّلُ أَقْرَبُ نَحْوًا وَالثَّانِي أُصُولًا وَآدَابًا بَلْ لُغَةً أَيْضًا فَافْهَمْ (عَنْ السَّلَفِ) الصَّالِحِينَ لَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْ السَّلَفِ هُنَا لَيْسَ مَا يَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ الْخَلَفِ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ إلَى الْحَلْوَانِيِّ عَلَى مَا قِيلَ بَلْ مُطْلَقٌ مِنْ تَقْدِيمٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ (وَمِنْ شِدَّةِ الرِّيَاضَاتِ) بِتَقْلِيلِ الْأَكْلِ وَفِي رِسَالَةِ الْقُشَيْرِيِّ كَانَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُفْطِرُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَفِي رَمَضَانَ إلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَكَانَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ يُفْطِرُ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ.
وَأَبُو تُرَابٍ النَّخْشَبِيُّ أَكَلَ أَكْلَتَيْنِ مِنْ بَصْرَةَ إلَى مَكَّةَ.
وَأَبُو عُثْمَانَ الْمَغْرِبِيُّ يَقُولُ الرَّبَّانِيُّ يَأْكُلُ مَرَّةً فِي أَرْبَعِينَ وَالصَّمَدَانِيُّ فِي ثَمَانِينَ يَوْمًا وَفِي قُوتِ الْقُلُوبِ وَالْإِحْيَاءِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ يَطْوِي سِتَّةً أَيَّامٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ يَطْوِي سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَدْهَمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَكَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ كَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَإِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ وَحَجَّاجِ بْنِ فَرَاصَةَ وَحَفْصٍ الْعَابِدِ الْمِصِّيصِيِّ وَالْمُسْتَلِمِ بْنِ سَعِيدٍ وَسُلَيْمَانَ الْخَوَّاصِ وَسَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَصَلَ طَيُّهُمْ إلَى ثَلَاثِينَ.
وَرُوِيَ أَنَّ سَهْلُ بْنُ عَبْدَ اللَّهِ اقْتَاتَ بِثُلُثِ دِرْهَمٍ فِي ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ (وَ) مِنْ (كَثْرَةِ الْمُجَاهَدَاتِ) قَالَ الْقُشَيْرِيُّ إنَّ أَصْلَ الْمُجَاهَدَةِ فَطْمُ النَّفْسِ عَنْ الْمَأْلُوفَاتِ وَحَمْلُهَا عَلَى خِلَافِ هَوَاهَا فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ.
وَقَالَ حُكِيَ عَنْ إبْرَاهِيم بْنِ سِنَانٍ أَنَّهُ قَالَ مَا بِتُّ تَحْتَ سَقْفٍ وَلَا فِي مَوْضِعِ عُلُوٍّ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَكُنْت أَشْتَهِي فِي أَوْقَاتٍ أَنْ أَتَنَاوَلَ شُبْعَةَ عَدَسٍ فَلَمْ يَتَّفِقْ لِي.
وَعَنْ السَّرِيِّ أَنَّ نَفْسِي تُطَالِبُنِي مُنْذُ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَنْ أَغْمِسَ جَزَرَةً فِي دِبْسٍ فَمَا أُطْعِمْتُهَا وَقِيلَ إنَّ عِصَامَ بْنَ يُوسُفَ الْبَلْخِيّ وَجَّهَ شَيْئًا إلَى حَاتِمٍ الْأَصَمِّ فَقِيلَ لَهُ لِمَ قَبِلْته فَقَالَ وَجَدْت فِي أَخْذِهِ ذُلِّي وَعِزَّهُ وَفِي رَدِّي عِزِّي وَذُلَّهُ فَاخْتَرْت عِزَّهُ عَلَى عِزِّي وَذُلِّي عَلَى ذُلِّهِ
وَقِيلَ لِبَعْضِهِمْ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَحُجَّ عَلَى التَّجْرِيدِ فَقَالَ جَرِّدْ أَوَّلًا قَلْبَك عَنْ السَّهْوِ وَلِسَانَك عَنْ اللَّغْوِ وَنَفْسَك عَنْ اللَّهْوِ ثُمَّ اُسْلُكْ حَيْثُ شِئْت (وَ) مِنْ (الِاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَاتِ) كَمَا نُقِلَ أَنَّ جُنَيْدًا يَدْخُلُ كُلَّ يَوْمٍ حَانُوتَهُ وَيُسْبِلُ السِّتْرَ وَيُصَلِّي أَرْبَعَمِائَةِ رَكْعَةٍ ثُمَّ يَعُودُ إلَى بَيْتِهِ.
وَعَنْ كِتَابِ حُسْنِ التَّنْبِيهِ أَنَّ أُوَيْسًا الْقَرَنِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ وَاَللَّهِ لَأَعْبُدَنَّ اللَّهَ عِبَادَةَ الْمَلَائِكَةِ فَكَانَ لَيْلَةً يَقْطَعُهَا قَائِمًا، وَلَيْلَةً يَقْطَعُهَا سَاجِدًا، وَلَيْلَةً رَاكِعًا.
وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَفِيفٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ رُبَّمَا كُنْت أَقْرَأُ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِي فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ عَشْرَةَ آلَافِ مَرَّةٍ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] وَرُبَّمَا كُنْت أَقْرَأُ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ الْقُرْآنَ كُلَّهُ وَرُبَّمَا كُنْت أُصَلِّي مِنْ الْغَدَاةِ إلَى الْعَصْرِ أَلْفَ رَكْعَةٍ.
وَرُوِيَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ لَا يَخْلُو لِسَانُهُ عَنْ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ فَيَوْمًا جَلَسَ عِنْدَ الْحَلَّاقِ لِيَقُصَّ شَارِبَهُ فَقَالَ الْحَلَّاقُ لَا تُحَرِّكْ شَفَتَك قَالَ: لَأَنْ يَقْطَعَ مِنْهَا قِطْعَةً أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَمْضِيَ عَلَيَّ حِينٌ بِلَا ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ قَالَ شَرِيكٌ كُنْت مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَنَةً فَمَا رَأَيْته وَضَعَ جَنْبَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَشْهَدُونَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي صَلَاةَ الْغَدَاةِ بِوُضُوءِ الْعِشَاءِ
وَقَالَ مِسْعَرٌ جَسَسْت أَبَا حَنِيفَةَ