(وَفِي الْعَتَّابِيَّةِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ إنْ وُجِدَ التَّوْقِيتُ) ظَاهِرُهُ فِي الصَّحِيحَةِ كَمَا عَرَفْت آنِفًا (وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْإِقَامَةَ مَقَامُ الْمُلَّاكِ) كَمَا فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ فِي الْمَنْقُولِ مِنْ التتارخانية (لَيْسَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ بَلْ لِضَرُورَةِ) صِيَانَةِ حُقُوقِ الْمُقَاتِلَةِ، وَهَذِهِ تَرْتَفِعُ بِالْإِقَامَةِ فِي حَقِّ الزَّرْعِ وَإِعْطَاءِ الْخَرَاجِ فَقَطْ فَلَا تَتَعَدَّى إلَى الْبَيْعِ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ (فَلَا يَمْلِكُ ذُو الْيَدِ الْإِجَارَةَ فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ) يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْإِجَازَةُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ تِلْكَ الْإِقَامَةِ؛ إذْ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ إلَّا بِلَوَازِمِهِ وَضَرُورِيَّاتِهِ بَلْ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ فِي الْحَقِيقَةِ رَاجِعٌ إلَى الثَّانِي عِنْدَ سَلْبِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ فَالْإِقَامَةُ الْمَذْكُورَةُ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا فِي ضِمْنِ الْإِجَارَةِ فَتَدَبَّرْ.
(وَكَذَا فِي) الطَّرِيقِ (الثَّانِي لِوَجْهَيْنِ) ، وَفِي طَرِيقِ الْإِجَارَةِ (الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْخَرَاجُ أُجْرَةً فِي حَقِّ ذِي الْيَدِ لِضَرُورَةِ عَدَمِ تَحْقِيقِ حَقِيقَتِهِ) أَيْ الْخَرَاجِ (وَمَعْنَاهُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (هَا هُنَا؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْخَرَاجَ (مَئُونَةُ الْأَرْضِ، وَالْمَئُونَةُ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى الْمَالِكِ) وَذُو الْيَدِ لَيْسَ بِمَالِكٍ؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهَا لِبَيْتِ الْمَالِ (فَجَعْلُهُ) أَيْ الْخَرَاجَ (أُجْرَةً فِي حَقِّ ذِي الْيَدِ لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ فَقَطْ) لَا مُطْلَقًا.
أَقُولُ: الْمَفْهُومُ مِنْ السَّوْقِ الْجَوَازُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَفْظِ الْبَيْعِ عَلَى إرَادَةِ الْإِجَارَةِ مَجَازًا، وَلَا مَانِعَ فِي كَوْنِهِ مِنْ حُقُوقِ ذِي الْيَدِ أَيْضًا (وَلِهَذَا سَقَطَ وُجُوبُ بَيَانِ قَدْرِ الْأُجْرَةِ وَجَازَ مَعَ جَهَالَتِهَا فِي خَرَاجِ الْمُقَاسَمَةِ) دُونَ خَرَاجِ الْمُوَظَّفِ فَإِنَّهَا مَعْلُومَةٌ، وَأَمَّا نَحْوَ الْعُشْرِ أَوْ الثُّمُنِ مِمَّا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ لِكَوْنِهِ جُزْءًا شَائِعًا فَالْجَوَازُ مَعَ عَدَمِ مَعْلُومِيَّةِ الْأُجْرَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ لَيْسَتْ بِمُعْتَبَرَةٍ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ لَا يَخْفَى أَنَّهُ خَرَّجَ بِهِ الْجَوَابَ عَنْ بَعْضِ إشْكَالٍ فِيمَا سَبَقَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى ذَلِكَ هُنَالِكَ لَكِنْ يَجُوزُ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِسَبَبِ فَسَادِ الْإِجَارَةِ.
(فَهُوَ) أَيْ مَا أَخَذَهُ مِنْ ذِي الْيَدِ هُنَا (فِي الْحَقِيقَةِ خَرَاجٌ) وَلَيْسَ بِإِجَارَةٍ (وَلِذَا) لِكَوْنِهِ خَرَاجًا فِي الْحَقِيقَةِ (لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَّا إلَى مَصَارِفِ الْخَرَاجِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ مِنْ آثَارِ كَوْنِهِ خَرَاجًا فِي حَقِّ الْإِمَامِ فَلَا يُنَافِي كَوْنَهُ إجَارَةً فِي حَقِّ ذِي الْيَدِ لَا سِيَّمَا أَنَّ أَصْلَ الْأَرْضِ لِبَيْتِ الْمَالِ فَلَوْ كَانَ إجَارَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا يُنَافِي اخْتِصَاصَ الْمَصْرِفِ بِمَا ذُكِرَ (فَإِذَا لَمْ يَكُنْ أُجْرَةً حَقِيقَةً، وَمِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا يَجُوزُ لِصَاحِبِهَا) أَيْ الْأَرَاضِي (إجَارَتُهَا) لِغَيْرِهِ قِيلَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ إجَارَةَ الْمُسْتَأْجَرِ إنَّمَا تَجُوزُ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا تَجُوزُ، وَإِلَّا فَإِنَّ إجَارَةَ الْمُسْتَأْجَرِ إنْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا تَجُوزُ اتِّفَاقًا، وَقِيلَ: تَجُوزُ فِي الْعَقَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَجَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ: أَصْلَحُ الِاحْتِمَالَيْنِ كَيْفَ وَأَنَّ ذَلِكَ فِي كُلِّ الْبِلَادِ عَلَى تَدَاوُلِ الْأَيَادِي فَلَوْ مَنَعَ بِهَذَا فَكَيْفَ سَبِيلُ الْأَصْلَحِيَّةِ وَالْأَقْرَبِيَّةِ فَهَذَا مُشْتَرِكُ الْوُرُودِ.
(وَالثَّانِي أَنَّ الْخَرَاجَ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُتَصَرِّفِ فَإِذَا كَانَ شِرَاؤُهُ اسْتِئْجَارًا، وَثَمَنُهُ أُجْرَةً مُعَجَّلَةً لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ الْخَرَاجَ أُجْرَةً بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُتَصَرِّفِ) وَهُوَ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْخَرَاجَ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ (بَلْ يَجِبُ حِينَئِذٍ أَنْ