عِنْدَ اللَّهِ
(وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ تِلْكَ الْأَرَاضِي لِبَيْتِ الْمَالِ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لِأَصْحَابِهَا (أَصْلَحُ الِاحْتِمَالَيْنِ) أَحَدُهُمَا هَذَا وَثَانِيهَا كَوْنُهَا لِأَصْحَابِهَا لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ وُجُودُ أَصْلِ الصَّلَاحِ فِي الْأَوَّلِ أَيْضًا عَلَى قَاعِدَةِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ وَلَيْسَ لَهُ وَجْهُ صَلَاحٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ إلَّا أَنْ يُدَّعَى كَوْنُهُ بِمَعْنَى أَصْلِ الْفِعْلِ أَوْ يُقَالُ: إنَّ قَوْلَهُ هَذَا إشَارَةٌ إلَى طَرِيقِ الْإِجَارَةِ فَحِينَئِذٍ الِاحْتِمَالُ الْآخَرُ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ مِنْ الْمَذْكُورَيْنِ فِي التتارخانية لَكِنْ يَرِدُ حِينَئِذٍ أَنَّ قَوْلَهُ (وَأَقَلُّ مُخَالَفَةٍ لِلشَّرْعِ الشَّرِيفِ) يَقْتَضِي أَنَّ أَوَّلَ الِاحْتِمَالَيْنِ أَبْعَدُ أَوْ بَعِيدٌ مِنْ الشَّرْعِ، وَفِي ثَانِيهِمَا قَلِيلُ مُخَالَفَةٍ لِلشَّرْعِ، وَالْحُكْمُ سِيَّمَا مِنْ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا فِي كُتُبِ الشَّرْعِ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ لَيْسَ فِي طَوْرِ الصِّنَافِ وَأَيْضًا قَوْلُهُ (وَضِرَرًا لِلنَّاسِ) يُلَائِمُ الْأَوَّلَ (فَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ مَفْسَدَتَانِ رُوعِيَ أَعْظَمُهُمَا ضَرَرًا بِارْتِكَابِ أَخَفِّهِمَا لِمَا فِي الْأَشْبَاهِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّ مَنْ اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ، وَهُمَا مُتَسَاوِيَتَانِ يَأْخُذُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا يَخْتَارُ أَهْوَنَهُمَا؛ لِأَنَّ مُبَاشَرَةَ الْحَرَامِ لَا تَجُوزُ إلَّا لِلضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الزِّيَادَةِ، بَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ مِنْ قَبِيلِ ارْتِكَابِ الضَّرَرِ الْجُزْئِيِّ لِلْوَصْلَةِ إلَى النَّفْعِ الْكُلِّيِّ (فَيَكُونُ انْتِقَالُهَا لِلْأَوْلَادِ الذُّكُورِ بِأَحَدِ الطَّرِيقَيْنِ أَيْضًا) الْمَذْكُورَيْنِ فِي التتارخانية نُقِلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ وَلَمَّا لَمْ تَكُنْ الْإِنَاثُ صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ لَمْ يُنْقَلْ إلَيْهَا بِأَحَدِهِمَا انْتَهَى
الظَّاهِرُ مُرَادُهُ لَمْ يَجْعَلْهُ السُّلْطَانُ مُنْتَقِلًا إلَى الْإِنَاثِ لَكِنْ يَشْكُلُ أَنَّ قَوَانِينَ السُّلْطَانِ عَلَى إعْطَائِهِنَّ بِمَا سُمُّوا بِالطَّابُو ثُمَّ لِلْأَخِ ثُمَّ لِلْأُخْتِ ثُمَّ لِلْأَبِ ثُمَّ لِلْأُمِّ ثُمَّ لِلشَّرِيكِ ثُمَّ لِلْوَرَثَةِ الَّذِينَ لَهُمْ أَشْجَارٌ إرْثِيَّةٌ عَلَى تِلْكَ الْأَرَاضِي ثُمَّ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ إنْ كَانُوا مُحْتَاجِينَ ثُمَّ صَاحِبُ الْأَرْضِ مُخَيَّرٌ (لَا بِالْإِرْثِ) ؛ وَلِهَذَا سَمَّوْا بِالِانْتِقَالِ الْعَادِيِّ، وَمَا ذُكِرَ مِنْ تَسْمِيَةِ الْإِرْثِ فَمَجَازٌ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ سَوْقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ أَرَاضِيَ زَمَانِنَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي التتارخانية فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا تَشْوِيشٌ وَقَدْ حُكِمَ بِأَنَّهَا مُشَوَّشَةٌ فَلَا تَقْرِيبَ نَعَمْ يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ: وَأَقَلُّ مُخَالَفَةٍ لَكِنْ قَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ آنِفًا فَتَأَمَّلْ نَعَمْ فِي الصُّرَّةِ عَنْ التَّجْرِيدِ: لَوْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُسَمِّيَ مَا يَزْرَعُ فِيهَا، وَأَيْضًا إنَّهُ مِنْ قَبِيلِ قَفِيزِ الطَّحَّانِ لَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ فِي نَظَرِ الْمُصَنِّفِ مَعَ أَنَّ فِيهِ تَأَمُّلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَأَمَّا جَعْلُ بَيْعِهَا إجَارَةً فَاسِدَةً) لِعَدَمِ بَيَانِ الْمُدَّةِ (لِيَحِلَّ مِقْدَارُ أَجْرِ الْمِثْلِ لِلْبَائِعِ) وَإِنْ حَرُمَ زِيَادَتُهُ مِنْهُ (فَفَاسِدٌ جِدًّا لَا وَجْهَ لَهُ أَصْلًا) قِيلَ عَنْ الْمُصَنِّفِ هَذَا رَدٌّ لِأَبِي السُّعُودِ؛ إذْ هُوَ الْجَاعِلُ ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَإِفْتَائِهِ بِأَنَّ الْأَرَاضِيَ بِأَيْدِي أَصْحَابِهِمْ عَارِيَّةٌ فَبَيْعُهُمْ بَاطِلٌ، وَالثَّمَنُ حَرَامٌ اهـ لَكِنَّ الْوَاقِعَ فِي مَعْرُوضَاتِهِ رَقَبَةُ تِلْكَ الْأَرَاضِي لِبَيْتِ الْمَالِ أُعْطِيت لِلرَّعَايَا عَلَى أُسْلُوبِ الْإِجَارَةِ، وَفِي مَحَلٍّ آخَرَ عَنْ أَبِي السُّعُودِ رَقَبَتُهَا لِبَيْتِ الْمَالِ فُوِّضَ تَصَرُّفُهَا إلَى الرَّعَايَا إلَى آخِرِهِ، وَفِي مَقَامٍ آخَرَ أَيْضًا عَنْهُ فُوِّضَ تَصَرُّفُهَا لِمُتَصَرِّفِيهَا لَعَلَّ الْمُصَنِّفَ وَقَفَ عَلَى رِوَايَةٍ كَذَلِكَ أَيْضًا.
(أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ فِي الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ) لِلْفَتْوَى لَكِنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الْخُلَاصَةِ اخْتِيَارُ جَانِبِ جَوَازِهِ حَيْثُ قَالَ: وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ بِعْتُك مَنَافِعَ الدَّارِ شَهْرًا بِكَذَا ذَكَرَ فِي الْعُيُونِ أَنَّ الْإِجَارَةَ فَاسِدَةٌ ثُمَّ قَالَ لِغَيْرِهِ: بِعْتُك نَفْسِي شَهْرًا بِكَذَا لِعَمَلِ كَذَا فَهُوَ إجَارَةٌ ثُمَّ قَالَ: وَعَنْ الْكَرْخِيِّ الْإِجَارَةُ لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ ثُمَّ رَجَعَ.
وَقَالَ: تَنْعَقِدُ (خُصُوصًا إذَا لَمْ يُوجَدْ التَّوْقِيتُ) لَا يَخْفَى عَدَمُ التَّوْقِيتِ إنَّمَا يَضُرُّ لِصَحِيحِ الْإِجَارَةِ لَا لِفَاسِدِهَا بَلْ يَجُوزُ جَعْلُهُ إجَارَةً لِعَدَمِ التَّوْقِيتِ وَأَنَّهُ مُشْتَرَكُ الْوُرُودِ لِمَا اخْتَارَهُ فِيمَا نُقِلَ عَنْ التتارخانية
(قَالَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ: وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ) إذَا وُجِدَ التَّوْقِيتُ هَذَا دَلِيلُ الْأَوَّلِ نَعَمْ يُقَدَّمُ مَا فِي قَاضِي خَانْ فِي الْوَثَاقَةِ عَلَى الْخُلَاصَةِ لَكِنْ يَشْكُلُ بِمَا فِي قَاضِي خَانْ أَيْضًا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ قَالَ لِغَيْرِهِ: اشْتَرَيْتُ مِنْك خِدْمَةَ عَبْدِك شَهْرًا بِكَذَا كَانَتْ إجَارَةً فَاسِدَةً فَافْهَمْ