فِي قَلْبِك مَا سَبَبُ امْتِنَاعِ الْوَرَعِ عَنْ الشُّبُهَاتِ، وَالْأَخْذِ بِالْقَوْلِ الْأَحْوَطِ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَنَقُولُ: سَبَبُهُ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ الْأَوَّلُ غَلَبَةُ الْجَهْلِ عَلَى التُّجَّارِ وَالصُّنَّاعِ وَالْأُجَرَاءِ وَالشُّرَكَاءِ فِي الْأَصْلِ فَقَطْ) أَيْ رَأْسِ الْمَالِ (أَوْ الْغَلَّةِ) أَيْ الْمُضَارَبَةِ مَثَلًا (فَلَا يُرَاعُونَ شَرَائِطَ الشَّرْعِ فِي مُعَامَلَاتِهِمْ فَتَفْسُدُ أَوْ تَبْطُلُ أَوْ تُكْرَهُ فَيَكُونُ مَسْكُوبُهُمْ حَرَامًا) فِي الْبَاطِلِ (أَوْ خَبِيثًا) فِي الْفَاسِدِ وَالْمَكْرُوهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَوْعَ خُبْثٍ فِيهِ بَحْثٌ مِيزَانِيٌّ بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ أَنَّ عُمُومَ الْأَشْخَاصِ فِي عُمُومِ الْأَزْمَانِ بِعُمُومِ التِّجَارَاتِ يَعْنِي الِاسْتِقْرَاءَ التَّامَّ فَظَاهِرٌ أَنَّ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ لَيْسَ بِمُمْكِنٍ، وَأَنَّهُ سُوءُ ظَنٍّ بِالْمُسْلِمِينَ، وَكُلُّنَا مَأْمُورُونَ بِحُسْنِ الظَّنِّ، وَإِنْ أُرِيدَ الْبَعْضُ فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْحُكْمَ بِالِامْتِنَاعِ بَلْ الْجَوَازَ بَلْ الْوُقُوعَ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضٍ، وَأَنْتَ لَوْ أَنْصَفْتَ وَجَرَّبْتَ لَوَجَدْت كَثِيرًا عَالِمًا بِأَحْكَامِ التِّجَارَاتِ، وَعَامِلًا بِهِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْأَصْلَ إذَا كَانَ يَقِينِيًّا فَلَا يُغَيِّرُهُ إلَّا يَقِينٌ مِثْلُهُ فَتَأَمَّلْ.

(وَالثَّانِي غَلَبَةُ الظُّلْمِ مِنْ الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَالْخِيَانَةِ وَالتَّزْوِيرِ وَنَحْوِهَا) كَالرِّبَا لَا يَخْفَى أَنَّ فِيهِ النَّظَرَ السَّابِقَ.

(الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ: أَنَّ قِوَامَ الْبَدَنِ وَانْتِظَامَ الْمَعَاشِ بِالنُّقُودِ وَالْحُبُوبِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ) مِنْ الْفَوَاكِهِ (وَالْغَالِبُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْعُقُودِ وَالْمُعَامَلَاتِ الدَّرَاهِمُ، وَقَدْ صَغَّرُوهَا حَتَّى لَا يَبْلُغَ أَرْبَعَةٌ مِنْهَا وَزْنَ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ شَرْعِيٍّ وَالطَّامِعُونَ) مِنْ الطَّمَعِ (مِنْ أَخِسَّاءَ) كَصَحِيحٍ وَأَصِحَّاءَ (الْفَسَقَةِ وَالْكَفَرَةِ يَقْطَعُونَهَا حَتَّى صَارَ الْمَقْطُوعُ فِي الدَّرَاهِمِ غَالِبًا عَلَى غَيْرِهِ وَجَعَلُوهَا) أَيْ الدَّرَاهِمَ (مِنْ الْمَعْدُودَاتِ فِي التَّبَايُعِ وَالِاسْتِقْرَاضِ) وَسَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِوَزْنِهَا قَلَّ أَوْ جَلَّ (وَهَجَرُوا وَزْنَهَا) الْمُعْتَدَّ بِهِ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ كَمَا قَالَ (وَالْفِضَّةُ وَزْنِيَّةٌ أَبَدًا) كَالذَّهَبِ فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ (لِنَصِّ الشَّارِعِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى وَزْنِيَّتِهَا (فَلَا يَتَبَدَّلُ بِالْعُرْفِ) إذْ الْعُرْفُ لَا يُغَيِّرُ مَا عَيَّنَهُ الشَّارِعُ كَمَا قَالُوا: الرَّأْيُ فِي مَعْرِضِ النَّصِّ غَيْرُ صَحِيحٍ لِاسْتِلْزَامِ نَسْخِ النَّصِّ بِالْعَادَةِ فَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ الْعَادَةُ مُحَكَّمَةٌ مُقَيَّدٌ بِمَا لَمْ يَقَعْ نَصٌّ مِنْ الشَّارِعِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ بِتَقْدِيمِ الْعُرْفِ عَلَى الشَّرْعِ فِي الْأَيْمَانِ مَثَلًا فَمِنْ قَبِيلِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ الْمَجَازِيِّ بِقَرِينَةِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ (إذْ شَرْطُ اعْتِبَارِهِ) أَيْ الْعُرْفِ (عَدَمُ النَّصِّ) وَهَا هُنَا مَوْجُودٌ

فَإِنْ قِيلَ: اعْتِبَارُ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ لَيْسَ بِخَارِجٍ عَنْ النَّصِّ بَلْ بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ

قُلْت: قَالَ فِي الْأَشْبَاهُ أَيْضًا عَنْ الْعَلَاءِ: لَمْ أَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ مَرْفُوعًا فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ أَصْلًا، وَلَا بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ بَعْدَ طُولِ الْبَحْثِ وَكَثْرَةِ الْكَشْفِ وَالسُّؤَالِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَوْقُوفًا عَلَيْهِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِيهِ (وَهَذَا) أَيْ كَوْنُ الدَّرَاهِمِ وَزْنِيَّةً أَبَدًا (مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَرِوَايَةٌ ظَاهِرَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (اعْتِبَارُ الْعُرْفِ فَقَطْ مُطْلَقًا) وُجِدَ فِي خِلَافِهِ نَصٌّ أَوْ لَا بِشَرْطِ كَوْنِ الْعُرْفِ مَبْدَأً وَسَبَبًا لِنَصِّ الشَّارِعِ بِالْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015