(شَرَائِطُ الْوَقْفِ) وَلِلْمَانِعِ أَنْ يَقُولَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَوَرُّعُ الْمُتَوَرِّعِ لِلِاشْتِبَاهِ فِي صِحَّةِ أَصْلِ الْوَقْفِ، وَفِي تَحَقُّقِ شَرَائِطِهِ وَوُقُوعِهِ فِي مَصْرِفِهِ وَقَدْرِهِ سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا (فَلَا شُبْهَةَ فِيهِ) أَيْ فِي حَالِهِ (أَصْلًا) وَلِلْمَانِعِ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ: إنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ لَوْ كَانَ لِنَفْسِ ذَلِكَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَسُوغُ أَنْ يُبِيحَ أَوْ يَهَبَ إلَى غَيْرِهِ بَلْ أَوْقَافُ بَيْتِ الْمَالِ مُخْتَصَّةٌ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ؛ وَلِذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِفَايَةِ فِي شُبْهَةٍ (إذْ الصَّحَابَةُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَقَفُوا)

قِيلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَوَّلُ مَنْ وَقَفَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَكَانَ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَهْمِهِ مِنْ خَيْبَرَ (وَأَكَلُوا مِنْهُ) وَلَمْ يُنْقَلْ الْإِنْكَارُ مِنْهُمْ فَيَحِلُّ مَحَلَّ الْإِجْمَاعِ (وَكَذَا بَيْتُ الْمَالِ يَحِلُّ لِمَنْ كَانَ مَصْرِفًا لَهُ إذَا أَخَذَ مِنْهُ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ) لِنَفْسِهِ وَخَادِمِهِ وَأَهْلِهِ وَأَوْلَادِهِ وَالْكُتُبِ اللَّازِمَةِ لَهُ إنْ كَانَ عَالِمًا، وَفِي الْمِنَحِ: لِكُلِّ قَارِئٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَتَا دِينَارٍ أَوْ أَلْفَا دِرْهَمٍ إنْ أَخَذَهَا فِي الدُّنْيَا، وَإِلَّا أَخَذَهَا فِي الْآخِرَةِ كَذَا قِيلَ فِي مَآلِ الْفَتَاوَى أَيْضًا (وَقَدْ أَخَذَ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - سِوَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْهُ) أَيْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَعَدَمُ أَخْذِ عُثْمَانَ لِغِنَاهُ وَعَدَمِ احْتِيَاجِهِ؛ إذْ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ لِعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عِنْدَ خَادِمِهِ يَوْمَ قَتْلِهِ مِائَةُ أَلْفِ أَلْفٍ وَخَمْسُونَ أَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ وَأَلْفُ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَخَلَّفَ إجْبَاءً قِيمَتُهَا مِائَتَا أَلْفِ دِينَارٍ وَبَلَغَ ثَمَنُ مَالِ الزُّبَيْرِ خَمْسِينَ أَلْفِ دِينَارٍ وَتَرَكَ أَلْفَ فَرَسٍ وَأَلْفَ مَمْلُوكٍ وَخَلَّفَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ثَلَاثَمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَغِنَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ فَكَانَتْ الدُّنْيَا فِي أَكُفِّهِمْ لَا فِي قُلُوبِهِمْ

كَمَا نُقِلَ عَنْ التَّنْوِيرِ لَكِنَّهُمْ مَعَ مِثْلِ هَذِهِ الْأَمْوَالِ الْعِظَامِ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لِعَدَمِ حُبِّهِمْ إيَّاهَا وَعَدَمِ شَغْلِ قُلُوبِهِمْ فِي وُجُوهِهَا بَلْ مُعْظَمُ قَصْدِهِمْ بَذْلُ تِلْكَ الْأَمْوَالِ إلَى الْمَحَاوِيجِ وَوُجُوهِ الْبِرِّ وَطُرُقِ الْحَسَنَاتِ كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي غُزَاةِ تَبُوكَ أَحَدٌ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ مَالُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَقَدْ رُوِيَ مِنْ ثَلَاثِينَ أَلْفًا إلَى ثَمَانِينَ أَلْفًا (فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَقْفِ وَبَيْتِ الْمَالِ وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَكَاسِبِ فِي) أَصْلِ (الْحِلِّ وَالطِّيبِ إذَا رُوعِيَ شَرَائِطُ الشَّرْعِ وَلَا فِي الْحُرْمَةِ وَالْخُبْثِ إذَا لَمْ تُرَاعَ) شَرَائِطُهُ (بَلْ الْأَوَّلَانِ) الْوَقْفُ وَبَيْتُ الْمَالِ (أَشْبَهُ وَأَمْثَلُ فِي زَمَانِنَا) ، وَفِيهِ مَا عَرَفْت لَا سِيَّمَا فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ إذْ جَمْعُهُ لَا يُدْرَى هَلْ هُوَ مِنْ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ أَوْ طَرِيقٍ جَبْرِيٍّ بَلْ فِي زَمَانِنَا عَلَى مَا سَمِعْنَا إنَّمَا هُوَ اسْمُ بَيْتِ الْمَالِ لَا رَسْمُهُ (إذْ أَكْثَرُ بُيُوتِ أَسْوَاقِنَا) كَبَيْعِ الْعَسَلِ وَالسَّمْنِ عَلَى أَنْ يُوزَنَ بِظَرْفِهِ وَيُطْرَحَ لِكُلِّ ظَرْفٍ مِقْدَارٌ مَعْلُومٌ (وَإِجَارَاتِهِمْ) مِثْلَ اسْتِئْجَارِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ لِلْحَلْبِ وَاتِّخَاذِ الْجُبْنِ وَالسَّمْنِ بِالْبَعْضِ مِنْهَا (بَاطِلَةٌ) لَا تُفِيدُ مِلْكًا وَلَا أُجْرَةً؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ خَبِيثٌ وَاجِبُ التَّصْدِيقِ وَيَحْرُمُ التَّنَاوُلُ (أَوْ فَاسِدَةٌ) تُفِيدُ مِلْكًا خَبِيثًا وَاجِبَ التَّصَدُّقِ وَيَحْرُمُ التَّنَاوُلُ فِي الْبَيْعِ، وَأَجْرُ الْمِثْلِ فِي الْإِجَارَةِ وَيَكُونُ نَحْوُ الْجُبْنِ وَالسَّمْنِ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ (أَوْ مَكْرُوهَةٌ) تُوجِبُ نَوْعَ خُبْثٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015