وكان يسافر بها إلى مكة، فإذا كان يوم حار حفر بئراً، ثم جاء بنطع فصب فيه الماء، ثم يقول لها: (أدخلي تبردي في هذا الماء) .
وعن محمد بن عمر، قال: كان محمد بن عبد الرحمن بن أبي الزناد باراً بأمه، وكان أبوه، يقول: يا محمد. فلا يجيبه حتى يشب فيقوم على رأسه فيلبيه، فيأمره بحاجته، فلا يستفهمه هيبة له حتى يسأل من فهم ذلك عنه.
وعن عون بن عبد الله، أنه نادته أمه فأجابها، فعلا صوته، فأعتق رقبتين.
وعن بكر بن عباس، قال: ربما كنت مع منصور في مجلسه جالساً فتصيح به أمه، وكان فظة غليظة، فتقول: يا منصور، يريدك ابن هبيرة على القضاء فتأبى؟ وهو واضع لحيته على صدره، ما يرفع طرفه إليها.
وقال سيفان بن عيينة: قدم رجل من سفر، فصادف أمه قائمة تصلي، فكره أن يقعد وأمه قائمة، فعلمت ما أراد، فطولت ليؤجر.
وبلغنا عن عمر بن ذر أنه لما مات ابنه قيل له: كيف كان بره بك؟ قال: ما مشي معي نهاراً إلا كان خلفي، ولا ليلاً إلا كان أمامي، ولا رقد على سطح أنا تحته.
وعن المعلي بن أوب، قال: سمعت المأمون يقول: لم أر أبر من الفضل بن يحيى البرمكي بأبيه، بلغ من بره بأبيه أن يحيى كان لا يتوضأ إلا بالماء الحار، وكانا في السجن معاً، فمنعهما السجان من إدخال الحطب في ليلة باردة، فقام الفضل حين أخذ يحيى مضجعه إلى قمقم كان بالسجن، فملأه بالماء وأدناه من المصباح، فلم يزل قائماً وهو في يده حتى أصبح.
وحكى غير المأمون أن السجان فطن لارتفاقه بالمصباح في تسخين الماء، فمنعهم من الاستصباح في الليلة القابلة، فعمد الفضل إلى القمقم مملوءاً، فأخذه معه في فراشه وألصقه بأحشائه حتى أصبح وقد فتر الماء.
وعن كعب الأحبار، قال: اجتمع ثلاثة من بني إسرائيل، فقالوا: تعالوا يذكر كل منا أعظم ذنب عمله.
فقال أحدهم: (أما أنا فلا أذكر من ذنب أعظم من أني كنت إذا أصاب أحدنا بول من ثوبه قطعه، فأصابني بول فقطعته ولم أبالغ في قطعه، فهذا أعظم ذنب عملته) .
وقال الآخر: (كنت مع صاحبي لي فعرضت لنا شجرة، فخرجت عليه ففزغ مني، فقال: الله بيني وبينك) .
وقال الثالث: كانت لي والدة فدعتني من قبل شمال الريح، فأجبتها فلم تسمع، فجاءتني مغضبة فجعلت ترميني بالحجارة، فأخذت عصا وجئت لأقعد بين يديها لتضربني بها، ففزعت مني فأصابت وجهها شجرة فشجتها، فهذا أعظم ذنب عملته) .
عن أبي بكرة، عن أبيه، قال: ذكرت الكبائر عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (الإشراك بالله، وعقوق الوالدين) وكان متكئاً فجلس، وقال: (ألا وشهادة الزور) . وما زال يكررها حتى قلنا: ليته يسكت) .
وعن أنس، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكبائر، فقال: (الشرك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين ... ) . الحديث.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس. واليمين الغموس) .
وعنه صلى الله عليه وسلم، قال: (لا يدخل الجنة عاق، ولا مدمن خمر، ولا من يكذب بالقدر، واليمين الغموس) .
وعن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان بما أعطى.
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربعة حق على الله تعالى ألا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها: مدمن الخمر، وآكل الربا، وآكل مال اليتيم بغير حق، والعاق لوالديه) .
وعن زيد بن أرقم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أصبح ووالداه عنه راضيين أصبح وله بابان مفتوحان من الجنة، ومن أمسى ووالداه عنه راضيين أمسى له بابان مفتوحان من الجنة. ومن أصبح وهما ساخطان عليه أصبح له بابان مفتوحان من النار، وإن كان واحد فواحد قيل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه، وإن ظلماه، وإن ظلماه) .
وعن عمرو بن مرة الجهني، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أشهد ألا آله إلا الله، وأنك رسول الله، وصليت الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات على هذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين يوم القيامة هكذا - ونصب أصبعيه - مالم يعق والديه) .