قال: فماتت، كنت آتيها عند القبر كل جمعة أدعو لها، وأستغفر لها ولأهل القبور. فرأيتها ذات ليلة في منامي، فقلت: يا أماه، كيف أنت؟ قالت: يا بني أن للموت لكربة شديدة، وأنا بحمد في برزخ محمود، نفترش فيه الريحان، ونتوسد السندس والاستبرق إلى يوم النشور.
قلت: ألك حاجة؟ قالت: نعم، لا تدع ما أنت عليه من زيارتنا والدعاء لنا، فإني لأبشر بمجيئك يوم الجمعة إذا أقبلت، يقال: يا راهبة هذا ابنك قد أقبل من أهله زائراً لك، فأسر بذلك، ويسر به من حولي من الأموات.
ولله در القائل إذ قال وأجاد:
ذَر قَبرَ والدِيكَ وَقِف عَلى قَبرَيهِما ... فَكَأَنَني بِكَ قَد نَقَلتَ إِلَيهِما
لَو كانَ حَيثُ هُما وَكانا بِالبَقا ... زارَكَ حَبواً عَلى قَدَميهِما
إِن كانَ دِينَهُما أَظَلَكَ طَالَما ... مَنَحاكَ مَحصَنَ الوِدِ مِن نَفسَيهِما
ما هُنَ إّلّا أَبصَرا بِكَ عِلَةً ... جَزَعاً لَمّا تَشكو وَشَقَ عَلَيهِما
ما هُنَ إِذا سَمِعا أَنينَكَ أَسبالاً ... دَمعَيهِما أَسفاً لَما تَشكو وِشَقَ عَلَيهُما
وَتَمَنيا لَو صارَ مَسالِكَ راحَةٍ ... بِجَميعِ ما يَحويهِ مُلكَ يَدَيهُما
فَلتَلحَقهُما غَداً أَو بَعدَهُ ... حَتماً كَما لَحِقاهُما أَبَويهُما
وَلتُقَدِمنَ عَلى فِعالِكَ مِثلَما ... قَدَماهُما أَيضاً عَلى فِعلَيهُما
طوباكَ لَو قَدَمَت فِعلاً صالِحاً ... وقَضَيتَ بَعضَ الحَقِ مِن حَقَيهُما
وِسَهِرتَ تَدعو اللَهَ يَغفِرُ عَنهُما ... وَأَطَلتَ في الصَلواتِ مِن ذِكرَيهُما
وَقَرَأتَ من آيِ الكِتابِ بِقَدرِ ما ... تَستَطيعَهُ وَبَعَثتَ ذاكَ إِلَيهِما
وَبَذَلتُ مِن صَدَقاتِ مالِكَ مِثلَ ما ... بَذَلا هُما أَيضاً عَلى أَبَويِهِما
فَاِحفَظ حَفَظتَ وَصِيَتي وَاعمَل بِها ... فَعَسى تَنالَ الفَوزِ مِن بِرَيهِما
وعن الفضل بن موقف، قال: (كنت آتي قبر أبي كثيراً، فشهدت جنازة، فلما قبر صاحبها تعجلت لحاجة ولم آت قبر أبي، فرأيته في المنام، فقال: يا بني، لِمَ لم تأتني؟ فقلت: يا أبت وأنك لتعلم بي؟ قال: (أي والله، وأنك لتأتيني فما أنظر إليك حين تطلع من القنطرة حتى تقعد إلي، وتقوم من عندي، فما أزال أنظر إليك مولياً حتى تجوز القنطرة) .
عن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (من أحب أن يمد له في عمره، ويزاد في رزقه، فليتق الله وليصل رحمه) .
وعن أبي علي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (من سره أن يمد الله في عمره، ويوسع في رزقه، ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه) .
وعن علي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (من سره أن يمد الله في عمره، ويوسع في رزقه، ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه) .
وعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (صلة الرحم، وحسن الجوار، يعمران الديار، ويزيدان الأعمار) .
وعن أبي أمامة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب، وصلة الرحم تزيد في العمر) .
وعن أبي سعيد الخدري، أنه صلى الله عليه وسلم، قال: (لا يدخل الجنة صاحب خمس: مدمن الخمر، ولا مؤمن بسحر، ولا قاطع الرحم، ولا كاهن، ولا منان) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إن أعمال بن آدم تعرض على الله كل خميس ليلة جمعة، فلا يقبل عمل قاطع رحم) .
وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إن الله عز وجل لما خلق الخلق قامت الرحم وقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة فقال: أما ترضي أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك إقرأوا إن شئتم) .