بيتين منها على قافية (?) ؛ وكان خالد يحاسبه كثيرا على ما يتلبس شعره من غموض، فما كان منه إلا أن كتب إليه بعد تلك الرسالة الزاجرة: " كنت في كثير من الأحيان تأخذ علي الغموض في شعري ولكني أدركت الآن ان ذلك الغموض كان العقدة المسحورة التي أوجدتها يد العاطفة في ساعة جنون، إذا انحلت فقد الطلسم ما كان يحمل من تتمان ".
وحين عاد إلى دار المعلمين، أحس بنفسه مبلغ الصدق في نصيحة خالد، ذلك أن عودته فتحت عينيه على آن " الهوى البكر " كان ضوءا خادعا في دجى اللهفة والحرمان والتعطش إلى حب؛ صدق خالد، هذه فتاة يهمها أن يكون أتحد المعجبين بها شاعرا يحرق نفسه وقريحته قربانا بين يدي جمالها على ان يظل هذا الجمال بمنأى عنه كالنصب النائي الذي لا تستطيع ان تلمسه أيدي العابدين. وفتر سطوع ذلك الضوء الخادع أمام عيني بدر، وانماثت قداسيه رويدا رويدا دون أن يترك ذلك في نفسه ألا ندبا صغيرا يرتسم إلى جانب تلك الندوب التي خلفها البحث المخفق عن الحب؛ ومن المفيد أن نتذكر آن بدرا لم يخص هذا الهوى الضائع (رغم انه كان بكرا في روعته عند البداية) بقوله رثاء آو بذكرى آسى، إلا حين عد سرب الحبيبات في صحوة الموت واسترجاع الذكريات؛ وإنما تحول في لطف يرتقب: " المنتظرة " التي لا بد أن ينفتح عنها ستار " المسرح " لتمثيل دورها المرموق في حياته. وحين وجدها لم يعد الحب لهبا وجدانيا وحسب، بل اصبح رابطة نضال، إذ أزاح الفتى جانبا من القناع الذي كان يستتر وراءه تحويله الخطير، وإذا هو يدين بالانتماء للحزب الشيوعي. إن قصة الحب لم تنته بعد، ولكن من الخير أن نعود قليلا في الزمن إلى الوراء، على أن نرجع إلى قصة الحب مرة أخرى.