وكنا لوحتي نافذة في هيكل الحب ... فلو لم تفترق لم ينفذ النور إلى القلب ... وكنا كجناحي طائر في الأفق الرحب ... فلولا النشر والتفريق لآرتد إلى الترب ... ولكنه في ختام هذه القصيدة يشعرك بأنه يسخر من نفسه ومن قدره حين يقول:
وكنا شفتي هذا القضاء مفرق الصحب ... فلو لم تنفرج لم تضحك الأقدار من كربي ... وكان الشاب الضاوي يحمل في حقيبته بين مطوى الثياب مجموعة من الشعر الذي كان قد نظمه قبل تلك الرحلة، ويعلل الظمأ اللاغب إلى الشهرة بري وشيك؛ انه " الفتح " الذي تركع له بغداد راضية عن استسلامها، لأن الغازي الجديد لا يحمل لها دمار الغزاة السابقين. ولكن هذا " الفاتح " الرقيق الكئيب كان يحمل فوق عينيه وحول شغاف قلبه غشاوة من الرومنطقية الأولى، تحول بينه وبين رؤية المدينة على حقيقتها، وتشهد إلى الماضي وذكرياته، وتجعله وحيدا في زحمة الناس.
وحين هبط المدينة تلقاه صديقه القديم خالد، وأخذ بيده في تعريفه إلى زواياها ومنعطفاتها، ولم يطل به الوقت حتى تعرف إلى عدد غير قليل من الأدباء والمتصلين بالحركة الأدبية، وكان أول اثر لهذه المعرفة أن وجد نفسه واحدا بين كثيرين يخضعون حومة الادب، وانه ان شاء الظهور في خضم المنافسة فلا بد له من أن يتفرد، إذ لم يعد شعره قاصرا على التغني المنفرد في سكون الريف أو على المراسلات الدورية بينه وبين بعض الأصدقاء؛ فانه طالب في دار المعلمين العالية، والعيون تنفرس فيه بحثا عن الشاعر المستكن في مح عظامه؛ وهو قد اصبح عضوا في ناد أدبي صغير، يسمع فيه صوته: فاليوم هو الاحتفال