وهو يبكي الحرمان من هذه " النخلة " أو يحاول ان يجد ما يعوضه عنها، فانتقل بخياله من حبيبة إلى أخرى، وانتمى إلى حزب ثوري، وتلمس؟ طويلا - طريقا تؤدي به إلى الفن الشعري الصحيح، واستطاع في الدور الأول من حياته أن يذيب قلبه أسى وتحرقا للحب وهو يحس بعد كل خطوة أن هذا الحب لن ينجو من تأنيب الام ولن ينال رضاها ولذلك كان يقول لنفسه دائما اثر كل وقفة عاطفية: لا ليست هذه هي المنتظرة أو هي التي انتظرتها طويلا ولكنها لا تختلف عن غيرها من بنات حواء مكرا وخيانة وغدرا. وفي ذلك الدور من حياته كان خرعا منخوب القلب يتمثل له الموت في كل خطوة - فيفر منه إليه، ولهذا كان انضمامه إلى حزب ثوري محاولة للهرب من الموت بالانغمار في تيار صاخب قوي. وكان فنه في هذه الفترة شديدة التردد والتفاوت يحاول التمسك بأذيال القصيدة القديمة فيحس بالعجز عن ذلك ويفتش عن طريقة يوارب بها ذلك العجز، وفجأة لاح له ان التخلص من ضعفه لا يتم إلا بالاعتماد على شعر متفاوت في تفعيلاته، فانتحى هذه الطريقة ليمعن في تحليل خلجاته الرومنطقية لا ليجعل منها وعاء لموضوعات جديدة، ولهذا كان منحاه الجديد شكليا خالصا، وقد بلغ أقصاه في قصيدة " في السوق القديم " التي تجمع بين التفاوت في التفعيلات والاستقصاء ولهذا أوحت إليه انه قادر على ان ينظم؟ في هذا الشكل الجديد - قصائد طويلة تميزه عن كثير من الشعراء المعاصرين؛ ولكن إصراره على التمسك برومنطقيته الحالمة جنبا إلى جنب مع ثوريته الحزبية خلق في نفسه ازدواجا بين الواقع والفن، وظل هذا الازدواج قائما حتى حطم لديه انتماءه الحزبي بعد محاولات بذلها في سبيل الربط بين طرفي تلك الثنائية.
وتتميز المرحلة الثانية بالبحث عن بديل فني للنخلة، ولذلك دعيت هذه الفترة باسم " البحث عن الملحمة "، أي عن قالب فني