تشخيص " المرض " لدى الفنان من اجل التحليل النفسي ذاته وإنما هي وسيلة لفهم طبيعة المنابع التي فاض الشعر عنها. وقد خضع السياب في وقفته التاريخية والنفسية لعوامل عنيفة تركت آثارا عميقة في شعره ومن كان لا بد لاستبانة تلك الآثار من دراسة تلك الوقفة في موكب الجماعة وفي عزلة الذات على السواء. وكل فصل للشعر عن ذلك الموقف قد يعرض الدارس للتجريد أو للأخذ بالعموميات.
وقد بذلت جهدا غير قليل لأبرئ هذه الدراسة من التعميمات ومن انتحاء اللغة الشعرية الفضفاضة التي طغت على مناهج النقاد في هذه الأيام، ذلك لأني أومن إيمانا لا يدركه أي اضطراب بأنا حين نملك زمام الحقيقة نستطيع أن نعبر عنها بوضوح، وأننا حين نجد الحقيقة غائمة في نفوسنا نلجأ إلى المجازات، وأدهى من ذلك أن لا تكون لدى الناقد " حقيقة " يريد أن ينقلها إلى الآخرين فيهيم وراء عبارات شعرية سابغة الذيول يجرجرها لإثارة الغبار