شرايين في كل دار وسجن ومقهى ... وسجين وبار وفي كل ملهى ... وفي كل مستشفيات المجانين ... في كل مبغى لعشتار ... فهو لذلك يقول في العدوان على أم البروم:
تسلل ظلها الناري من سجن ومستشفى ... ومن مبغى ومن خمارة؟. من كل ما فيها ... المدينة حيثما كانت في نظرة واحدة لا تتغير، أنها مبادءة للرذيلة، فهي تستبيح الاعتداء على الموتى:
لتثمر بالرنين من النقود وضجة السفر ... وقهقهة البغايا والسكارى في ملاهيها ... وتكاد قصيدة " ام البروم " ان تكون إعادة للمادة التي أوردها السياب في قصائد هاجم فيها المدينة، فهي مثال على عودة الشاعر إلى وسائله المألوفة واستغلاله لها.
وأما نفوره من المدينة لأنها امتلأت بمناظر القتل والحرق والصلب فانه ظل ينبعث في نفسه بين الحين والحين رغم استقراره في جيكور طلبا للطمأنينة. ولهذا عبر عنه في بعض قصائده مثل " المعبد الغريق " و " ابن الشهيد ". وتستوقفنا تلك المقدمة التي كتبها للقصيدة الثانية حين نشرها بمجلة الآداب: " يسرني أن يعود الولد الضال إلى بيته، وان أعود إلى الآداب التي على صفحاتها متنفسي الطبيعي الذي أعاهد نفسي أن يدوم أبدا " (?) . ولكن هذا العهد لم يكن إلا ومضة عابرة،