" الأحباء " وعدوا بأن يكتبوا إليه، ولعل السبتي إنما ألف قصة اللقاء والرسالة لينعش صديقه بشيء من الأمل، أما قصة الهوى نفسه فربما كانت مما حدثه به السياب في إحدى زياراته له.
ولكن هذه الخفقة لم تلبث أن ذابت كما يذوب الحبيب الطافي، وظل بدر فريسة لنوبات من الكآبة والاضطراب العصبي، وكان اشد ما يؤلمه قلقه على زوجه وأطفاله، وحين أصبحت نوباته " مرضية " أخذ يتردد عليه طبيب نفسي فقرر انه مصاب بما يسمى Reactive صلى الله عليه وسلمnxiety أي " القلق الارتكاسي " أو " الانعكاسي "؟ وهو انعكاس للمرض الجسمي نفسه؛ وحين كانت النوبة تستبد به، فأنها كانت تتركه فريسة للوساوس والرؤى المزعجة، فينسرب في أحلام يقظة مخيفة ولا يكاد يستفيق من حلم راعب حتى يتردى في حلم آخر أشد هولا.
وفي أثناء تلك النوبات كان " الكابوس الشيوعي "؟ إن صحت التسمية - يضغط على نفسه ضغطا خانقا يسلمه إلى الرعب والهلع. دخل عليه صديقه السبتي في إحدى حالاته تلك، فلما استفسره عما يجد أخبره بأن أنباء موثوقة وصلته تؤكد ان جماعة من الشيوعيين تأتمر به لتقتله، قال السبتي: " فأخذت أطمئنه ثم رفعت وسادته ووضعت تحتها حافظة تقود خاوية وقلت له: هذا مسدس تستطيع استعماله ان دعت الحاجة إلى ذلك " ثم خرج ذلك الصديق وهو يوهمه أنه سيتصل بدوائر الأمن لتأخذ الحيطة اللازمة، وغاب عنه بعضا من الوقت وعاد إليه فبادره السياب قائلا أن أنباء أخرى وصلته تؤكد أنه قد تم القبض على تلك العصابة.
ومن الطبيعي أن يقال ان مثل هذه النوبة كانت تعني تضخم الوهم إلى درجة فاض فيها على منطقة التعقل الواعي وحطم السياج القائم بين المنطقتين، ولكن هذا التضخم لم يكن ليتم لولا أن السياب تقمص