كان السياب قد قراه في قصيدة لماثيو آرنولد بعنوان " إنسان البحر المهجور " ففيها يصور الشاعر كيف ان المرأة الإنسية التي تزوجها إنسان البحر سمعت وهي في الأعماق أصداء الأجراس الفضية تدندن من برج الكنيسة القائمة على الساحل؟ (?) .

ان حنين الشاعر إلى الموت الفتان من خلال بويب كان يعني حنينه إلى جيكور، لآن الاسمين يتلازمان في ذهنه، وقد صده عن هذه العودة هنا شعوره بالمسئولية التي تهيب به أن يكون في صف المناضلين ولذلك نجده منقسم نفس بين الطفولة والموت الصامد البطولي، وهذه اشارة هامة تدل على أن إحساس السياب بالمفاضلة بين العودة إلى الطفولة والتضحية في سبيل المجتمع يبدأ من هذه النقطة؛ ومرة أخرى استبد به الحنين إلى جيكور، لأنه كان يحس إحساساً لا يقاوم بقوة جواذب هذه العودة، وفي قصيدة " جيكور والمدينة " يتمثل هذا الشعور على أشده. ألا ان جيكور قام من دونها " سور وبوابة واحتوتها سكينة "، والسبب في ذلك ان ابن جيكور قد اختطفته المدينة وأسرته، فأصبحت دروبها تلتف حوله كأنها حبال من نار تجلد كل ذكريات في نفسه عن جيكور وتحرق جيكور المستقرة في أعماق روحه، وتلك الدروب كالموت لم يعد منها أحد تاه في شعابها؛ ويصب الشاعر نقمته على المدينة: فهي بقعة غاب الله عنها، والليل؟ فردوسها الرحب - مبادءة للعهر، والإنسانية قد تحولت إلى وحوش ذات مخالب، ورب المدينة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015