الحديثة، مهما تكن موضوعاتها متباعدة. لقد قدر للسياب ان ينشر جناحين عريضين يشرف بهما على أفق مديد، ولم يكن أسير نظرية محورية تملي عليه نفسها في صور متعددة؛ ولكن هل يستطيع الشاعر ان يظل فاردا جناحيه على هذا النحو مدة طويلة؟ أن من يتابع التطور الفني للسياب سيحس انه أصيب بالإرهاق وانه كان يسير بخطى سريعة إلى تضييق المدى، وكان ضيق المدى يشعره انه قد وجد ذاته مرة أخرى، وانه يريد العودة من دنيا الآخرين إلى دنياه الخاصة. وكان تأثره باديث سيتول مفيدا في البداية ولكنه غرس في نفسه بذورا لم يستطع التخلص منها في المرحلة التالية. ومن الهام أن نتذكر أن عمر الحديث عن العرب والقومية العربية لم يطل، ولكن الغربة عن جيكور كانت قد طالت: عشر سنوات قضاها الشاعر وهو يتحدث عن الحرب والسلام والمشكلات الاجتماعية في المدينة ومآسي القنبلة الذرية ونهضة المغرب العربي والعدوان على بور سعيد وحقارة المخبرين وعن غارسيا لوركا وعن خواء الطبقات الغنية، وفي تلك الأثناء خاض معارك آبية ومشاجرات يدوية وخطب في مؤتمر أدباء العرب في بلودان؟. أفلا يحق له أن يعود بعد كل هذا التطواف إلى جيكور؟