الحبيبة يفضح رغبتها الشهوانية، بينما كان الإنسان الأول يستعمل النار لطرد تلك الشهوة المتمثلة في النمور والأسود، فمن الخير أن يضيع الحبيبان في أحضان الظلام لكي يحتجبا فيما يريدان تحقيقه عن أعين النمور في المساء، وهي على عكس نمور الأرض لا تخاف النار والنور بل تستغلهما لرؤية الأحياء الذين يمارسون شهواتهم وترميهم بحجارة الرجم. فالقصيدة لا تحمل شيئا من الموضوع النبيل، ومع ذلك فانها شديدة الإحكام لبقة الرمز، ولعل القارئ قد أدرك أن التنور والنمور (في الأرض والسماء) ودفن الخبز والرجم كلها متصلة بحقيقة واحدة يراد الوصول إليها في حمى العتمة قبل ان يخيم " ليل القبور ". أن من يقرأ هذه القصيدة يعجب كيف استطاع السياب؟ الذي كان يثقل القصيدة بالتوضيح والشرح والتعليق - ان يصل إلى هذا المستوى من الالماع والتلميح.
وفي قصيدة " المخبر " لا يخطو السياب خطوة جديدة وإنما يعود إلى صورة مماثلة للتي رسمها في " حفار القبور "؟ الإنسان الذي يأكل من دفن الناس في الأرض أو في السجون (فالأمر سيان) - وهو يحاول ان يسوغ ما يأتيه، مع شعور عميق بحقارة ما يصنع. وكذلك هو الأمر في قصيدة " عرس في القرية " فأنها عودة إلى زواج الريفية الجميلة من ابن مدينة ثري، ففيها يحاول السياب ان يزاوج بين الأسى على مصير المحبوبة وبين كفاح الطبقات الكادحة فتجيء المزاوجة مضحكة كما حدث ذلك في قصيدته " حسناء القصر " وفي غيرها:
كان وهما هوانا فان القلوب ... والصبابات وقف على الأغنياء ... لا عتاب فلو لم نكن أغبياء ... ما رضينا بهذا ونحن الشعوب ...