في القرية " وفي الثانية رجوع إلى موضوعه القديم وهو زواج الفتاة القروية؟ التي أحب مثلها ذات يوم - من شخص ثري.
لم يكن السياب محدد المجال في فترة انتمائه اليساري لكني يقال انه بعد انفصاله قد أخذته الحيرة إزاء الموضوع الشعري الذي يجدر به ان يطرقه، ولكن بروز الموضوعات ذات الطابع القومي العربي في شعره على نحو ساطع لأول مرة يجعلنا نؤكد محاولته لانتماء جديد. وكان كما دلت محاضرته في مؤتمر الأدباء العرب لا يزال من الزاوية النقدية يستعير مفهومات الواقعية الحديثة ويحاول قياس الأدب الصحيح بها، ولذلك فأنه لم يستطع ان يتخلى عن الالتزام الذي يربط بين الفن وتحرير الشعوب كما لم يتخل عن مفهومات إنسانية عامة تغص إليه الحرب والدمار، فكتب قصيدة عن مأساة هيروشيما والقنبلة الذرية. ولكن تسلسل الماضي إلى شعره 0في هذه الفترة - متمثلا في " عرس في القرية " و " مرثية جيكور " يدل على ان الجرح القديم الذي اكتسى بطبقة كثيفة من الحرشف الجلدي عاد فانتقض حتى ليغدو بعد قليل هو المنفذ الذي تنسكب منه الدماء، فتشغل صاحبها عن النظر إلى الدماء المنسكبة من ظهور الفقراء وجنوبهم. وأيا كان الأمر فان الشاعر عاد إلى موضوعات المرحلتين السابقتين من أبواب جديدة: باب إنساني عريض وباب قومي عربي وباب ذاتي. وقبل ان نلح هذه المداخل معا علينا أن نقرر أن السياب لم يخل تماما عن القصيدة الطويلة ولكنه عدل عنها مرغما بسبب حجم المجلة والمساحة التي تستطيع تخصيصها، وكان في هذا كل الخير لشعره، لأنه أخذ يحاول " التحليل المر " إن صح التعبير، فيمنح القصيدة تكاملا وترابطا؛ بل ان المحاولتين اللتين استمر فيهما بدعوى النفس الملحمي وهما " رؤيا فوكاي " و " بور سعيد " يكملان إخفاقه القديم في البناء الكبير.