أممي من حيث المبادئ ولكنه يتغنى بالأمجاد القومية والماضي القومي والتاريخ القومي، ويتعصب للغته وتراب أرضه عصبية قد تجوز على المشاعر القومية عند الآخرين كما قد تتنافى مع المبادئ التي اتخذها له شعارا. لماذا لا يحق للسياب أن يتعصب لوطنه وقوميته على هذا النحو؟ ألأن الحزب الشيوعي العراقي الذي ينتمي إليه يمثل الأقليات؟ ثم ماهو التعويض الذي يرجوه الغريب عن التعاسة والبؤس في ديار الغربة؟ انه بحاجة إلى صدر الأم، إلى صدر الوطن الجميل العطوف، وحين أتحدث صورة الأم وصورة الوطن كان السياب يقترب من العراق قربا مساويا لبعده عن الأممية. كانت الأممية وثبة في فضاء مجهول لا تتلاءم وطبيعة الطفل الذي يرى الحياة قبرا ونخلة على ضفة " بويب " ولا تنسجم وطبيعة اليافع الذي يحلم بالحبيبة؟ الام، ولا تتواءم ومشاعر المراهق الذي يعانق الحب والموت في آن، ولا تتمشى واحساسات الشاب الذي يحب كل فن جميل ولو كان صاحبه خائنا لكفاح الطبقات الكادحة. وعاش الشاب منقسم النفس: لأن الكفاح الجماهيري كان قد أصبح؟ منذ سنوات - قدرا لا يستطيع التراجع عنه، ولأن الفردية الصارخة كانت ما تزال تشده إلى أحلام الحب والموت، وحين تزوجت هذه الفردية الوطن، واتحدت به اتحاد التطابق، استراح الشاعر إلى وضع جديد، وإذا هو يحس - ألم أو تأنيب نفسي؟ ان رابطته بالأمية قد انفصمت في يسر، وانحلت العقدة حين تباعد طرفاها عفوا دون أن تحتاج إلى إرادة لتقطعها قطعا.
ليس معنى هذا أن الأممية تنكر الشعور المخلص الصادق في خدمة الوطن والتضحية من أجله. ولكني هنا أتحدث عن وضع محدد، وعن أحاسيس مرهونة بظروفها. ومن تتبع الصفحات السابقة من هذه الدراسة استطاع ان يجمع عددا كبيرا من الأسباب الكبيرة والصغيرة التي أدت بالسياب إلى الانفصال عن الحزب الشيوعي العراقي، وكل ما