ولعل ابرز ما يميز القصيدة من الناحية الفنية، فنحن نحس أن الجو ينتمي إلى قطاع من عالم الأموات Hades ولذلك يتضاءل فيه النور وتملؤه الغربان بنذر من الشؤم؛ " وكأن بعض الساحرات مدت أصابعها العجاف إلى السماء " وكأن ديدان القبور خرجت من مكامنها، واستيقظ الموتى عطاشا يلهثون، وتضاف إلى هذه الصورة صورة ميت حي (وتلك سخرية مرة) موكل بدفن الموتى، فإذا صورته صورة ميت قد أدرك الجمود يديه ولاح فمه كشق في جدار، ثم تجتمع إلى ذلك كله صورة القبر الفارغ الذي تتثاءب فيه الظلماء، ثم تتلوها صورة الدمار الذي تخلفه الحرب، ثم صورة نعش في ضوء تذرذره مصابيح السماء كأنه ضباب؛ ولا تختلف صورة الطريق إلى دور البغايا ولا صورة منزل البغي عن هذا كله، فالدرب كأفواه اللحود، والحارس متعب وسنان، والباب عقيق إذا دق عليه الطارق أرسل صوتا كإيقاع المعاول بين القبور الموحشات، والمرأة حزينة تفرك عينيها في فتور وعلى وجهها ظل يزحف كالكسوف، وفي المنظر الأخير يبدو السماء لعيني الحفار كأنها صنم بليد، والطريق مكتظ بالأشباح، وفانوسه صدئ عتيق؟ مجموعة من الصور المتلاحقة ترسم صورة كبيرة لا يتخللها إلا نور ضئيل، وتسيطر عليها صبغة الموت واللحود والظلمة والنعيب المشئوم والإعياء المتهاوي؟ أنها صورة فقدت معنى الأمل وبسمته وضياءه، فزادت القصيدة نأيا عن حل مشكلة الإنسان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015