انه كان يريد أن يعرف بالقدرة على القصائد الطويلة: فجر السلام؟ القيامة الصغرى؟ حفار القبور؟ المومس العمياء؟ الأسلحة والأطفال؟ أنشودة المطر، وان هذا الإحساس تملك الشاعر حتى سنة 1953 ثم تحول عنه تحولا ظاهريا وحسب، لأن كثيرا من القصائد التي نظمها في أوقات لاحقة إذا جمعت حسب موضوعاتها كونت كل مجموعة منها قصيدة طويلة.

وسر ذلك كله متصل بطبيعة السياب: فان القصيدة لم تكن تتسع لآنفعاله، فهو انفعال مديد متشعب احيانا، ثم هو قد نشأ معجبا ببعض القصائد الأجنبية الطويلة التي يسترسل فيها الشعور بين علو وهبوط كقصيدة " البحيرة " للأمرين، أو قصيدة " ثورة الإسلام " لشللي وغيرهما، ولعله كان يعتقد أن قصيدة " الأرض اليباب " هي التي كسبت لصاحبها تلك الشهرة وهي من القصائد الطويلة في الأدب المعاصر. يضاف إلى ذلك ان القصيدة العربية التي احبها السياب لدى أبي تمام أو البحتري أو المتنبي لا تعد قصيرة، ولم يغب عن مخيلته أن الجزالة التي لمحها في القصيدة العربية امتحان عسير للشاعر كلما طالت القصيدة، وهو قد نشأ على ايثار هذه الجزالة وان أعيته بصعوبتها في كثير من المحاولات؛ ووجدها تصح لشاعر معاصر يطيل القصيد دون ان يفقد تلك الجزالة وذلك هو الجواهري، الذي وجده السياب يتقمص النغمة القديمة بحذق ومهارة. ولم يستطع السياب ان يدرك الفرق بين نغمة الجواهري؟ في مدى التعمل الذي تجره في أذيالها - وطواعية التعبير عند اشد القدماء احتفالا بالصياغة اعني أبا تمام، ولهذا كان بناء القصائد الطويلة هو المجال الذي يريد السياب ان يتفوق فيه على سواه من المعاصرين، سواء أكان نهجهم تقليديا أو تجديديا -؛ وقد تحدثت من قبل عن المقدمات الطويلة التي لم يكن يستطع أن يتحلل منها، وهي مقدمات تصلح أن يمهد بها للبناء الملحمي، ولم يكن السياب محروما من النفس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015