أخرى إلى القرية، ليجد أن أخاه مصطفى هو الذي يتولى القيام بأمر الحزب بدلا من العم السجين، ولكن دراسة مصطفى بمدرسة البصرة كانت تحتم عليه الابتعاد عن القرية، فلم يكن تحضر إليها إلا مرة في الأسبوع؛ وهكذا أصبح بدر هو المنظم الفعلي للشئون الحزبية.

تلك فترة حرجة في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي كانت تنذر بتصدعه تماما، ولم تكن الروابط العقائدية والحماسة النظرية كافية للم الشمل والحفاظ على تماسك الحزب، وخاصة لمن مثل بدر يعمل في منطقة من الريفيين البسطاء الذين لا يدركون شيئا من المادية الديالكتيكية والصراع الطبقي وحتمية التاريخ؛ وكانت الوطأة التي صبتها الدولة على الحزب لحل روابطه وتفكيك عراه قادرة على أن تخفيف أولئك البسطاء وتجعلهم يفصمون علاقتهم به، ولهذا كانت أية وسيلة تسوغ الغاية، والغاية في هذا المقام هي الاحتفاظ بكل عضو منتسب والحيلولة دون انفصاله، ولم يتردد بدر نفسه في التهاج هذه المكيافلية، فأخذ يجزل الوعود ويبذلها دون حساب للفلاحين، ورسم بمعاونة بعض الحزبيين الكبار خريطة لبساتين البلدة، وعين لكل فلاح حصة فيها، وأخذ يدور بهذه الخريطة على الفلاحين، فاقتنوا لسذاجتهم وطيبة قلوبهم بتلك الوعود (?) ؛ أقول: إن بدرا نفسه يعترف بأنه لم يستنكف من انتهاج هذا الأسلوب المكيافلي، وهو مدرك تمام الإدراك أنه قائم على الزيف والكذب، مقدما على ذلك لحراجة الظروف التي يمر بها تنظيمه الحزبي، وفي التنظيمات الحزبية أشياء كثيرة من هذا القبيل، حيث يضحى ببعض القيم العقائدية تحت وطأة ظروف واقعية، لا تقبل الانصياع لمنطق تلك القيم.

وهبط القرية ذات يوم " رفيق " من أعضاء اللجنة المركزية للحزب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015