بدايه الهدايه (صفحة 16)

الداء الدفين، وهو حب المال والجاه فإياك أن تغتر به، فتكون ضحكة له، فيهلكك، ثم يسخر منك.

فإن جربت نفسك مدة في الاوراد والعبارات، فكانت لا تستثقلها كسلا عنها، لكن ظهرت رغبتك في تحصيل اعلم النافع، ولم ترد به إلا وجه الله تعالى والدار الآخرة، فذلك أفضل من نوافل العبادات مهما صحت النية. ولكن الشأن في صحة النية فإن لم تصح النية فهو معدن غرور الجهال، ومزلة أدام الرجال.

الحالة الثانية: ألا تقدر على تحصيل اعلم النافع في الدين، ولكن تشتغل بوظائف العبادات من الذكر والتسبيح والقراءة والصلاة فذلك من درجات العابدين، وسير الصالحين، وتكون أيضا بذلك من الفائزين.

الحالة الثالثة: أن تشتغل بما يصل منه خير إلى المسلمين، ويدخل به سرور على قلوب المؤمنين، أو تتيسر به الأعمال الصالحة للصالحين: كخدمة الفقهاء والصوفية وأهل الدين، والتردد في أشغالهم، والسعي في إطعام الفقراء والمساكين، والتردد مثلا على المرضى بالعيادة، وعلى الجنائز بالتشييع، فكان ذلك أفضل من النوافل؛ فإن هذه عبادات، وفيها رفق للمسلمين.

الحالة الرابعة: ألا تقوى على ذلك، فاشتغل بحاجاتك اكتسابا على نفسك أو على عيالك، وقد سلم المسلمون منك وآمنوا من لسانك ويدك، وسلم لك دينك، إذا لم ترتكب معصية؛ فتنال بذلك درجة أصحاب اليمين، إن لم تكن من أهل الترقي إلى مقامات السابقين.

فهذا أقل الدرجات في مقامات الدين، وما بعد هذا فهو من مراتع الشياطين؛ وذلك بأن تشتغل - والعياذ بالله - بما يهدم دينك، أو تؤذي به عبدا من عباد الله تعالى؛ فهذه رتبة الهالكين؛ فإياك أن تكون في هذه الطبقة.

واعلم أن العبد في حق دينه على ثلاث درجات: إما سالم.. وهو المقتصر على أداء الفرائض وترك المعاصي.

أو رابح.. وهو المتطوع بالقربات والنوافل.

أو خاسر.. وهو المصر عن اللوازم.

فإن نلم تقدر أن تكون رابحا، فاجتهد أن تكون سالما، وإياك ثم إياك أن تكون خاسرا.

والعبد في حق سائر العباد له ثلاث درجات: الأولى: أن ينزل في حقهم منزلة الكرام البررة من الملائكة، وهو أن يسعى في أغراضهم؛ رفقا بهم، وإدخالا للسرور على قلوبهم.

الثانية: أن ينزل في حقهم منزلة البهائم والجمادات؛ فلا ينالهم خيره، ولكن عنهم شره.

الثالثة: أن ينزل في حقهم منزلة العقارب والحيات والسباع الضاريات، لا يرجى خيره، ويتقى شره.

فإن لم تقدر على أن تلتحق بأفق الملائكة، فاحذر أن تنزل عن درجة البهائم والجمادات إلى درجة العقارب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015