وعليه الصلاة والسلام - أعني الاشتغال بالذكر إلى طلوع الشمس من غير أن يتخلله كلام.
فإذا طلعت الشمس وارتفعت قدر رمح، فصل ركعتين، وذلك عند زوال وقت الكراهة للصلاة؛ فإنها مكروهة من بعد فريضة الصبح إلى ارتفاع الشمس.
فإذا أضحى النهار، ومضى منه قريب من ربعه، صل صلاة الضحى أربعا أو ستا أو ثمانية، مثنى، مثنى،؛ فقد نقلت هذه الاعداد كلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والصلاد خير كلها فمن شاء فليستكثر، ومن شاء فليستقلل، فليس بين طلوع الشمس والزوال راتبة من الصلة إلا هذه؛ فما فضل منها من أوقاتك فلك فيه أربع حالات: الحالة الأولى وهي الافضل: أن يصرفه في طلب العلم النافع في الدين، دون الفصول الذي أكب الناس عليه وسموه علما.
والعلم النافع هو ما يزيد في خوفك من الله تعالى، ويزيد في بصيرتك بعيوب نفسك، ويزيد في معرفتك بعبادة ربك، ويقلل من رغبتك في الدنيا، ويزيد في رغبتك فني الآخرة، ويفتح بصيرتك بآفات أعمالك حتى تحترز منها، ويطلعك على مكايد الشيطان وغروره، وكيفية تلبيسه على علماء السوء، ن حتى عرضهم لمقت الله تعالى وسخطه؛ ن حيث أكلوا الدنيا بالدين، واتخذوا العلم ذريعة ووسيلة الى أخذ اموال السلاطين، وأكل أموال الاوقاف واليتامى والمساكين، وصرفوا همتهم طول نهارهم إلى طلب الجاه والمنزلة في قلوب الخلق، واضطرهم ذلك إلى المراءاة والممراة، والمشاقة في الكالم والمباهاة.
وهذا الفن من العلم النافع، قد جمعناه في كتاب (إحياء علوم الدين) فإن كنت من أهله فحصله واعمل به ثم علمه وادع إليه؛ فمن علم ذلك وعمل به، ثم علمه ودعا إليه فذلك يدعى عظيما في ملكوت السموات بشهادة عيسى عليه السلام.
فإذا أفرغت من ذلك كله، وفرغت من إصلاح نفسك ظاهرا وباطنا، وفضل شيء من أوقاتك، فلا بأس أن تشتغل بعلم المذهب في الفقه لتعرف به الفروع النادرة في العبادات، وطريق التوسط بين الخلق في الخصومات عند انكبابهم على الشهوات.. فذلك أيضا بعد الفراغ من هذه المهمات من جملة فروض الكفايات.
فإن دعتك نفسك إلى ترك ما ذكرناه من الأوراد والأذكار استثقالا لذلك، فاعلم أن الشيطان اللعين قد دس في قلبك