الْمُحْصَنُونَ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ حَدَّهُمُ الرَّجْمُ إِلَّا فِرْقَةً مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَإِنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ حَدَّ كُلِّ زَانٍ الْجَلْدُ، وَإِنَّمَا صَارَ الْجُمْهُورُ لِلرَّجْمِ؛ لِثُبُوتِ أَحَادِيثِ الرَّجْمِ، فَخَصَّصُوا الْكِتَابَ بِالسُّنَّةِ، أَعْنِي قَوْله تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور: 2] الْآيَةَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: هَلْ يَجْلِدُونَ مَعَ الرَّجْمِ؟ أَمْ لَا؟
الْمَوْضِعُ الثَّانِي: فِي شُرُوطِ الْإِحْصَانِ.
أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الأُولَى فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا هَلْ يُجْلَدُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّجْمُ قَبْلَ الرَّجْمِ؟ أَمْ لَا؟ فَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا جَلْدَ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّجْمُ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَحْمَدُ، وَدَاوُدُ: الزَّانِي الْمُحْصَنُ يُجْلَدُ، ثُمَّ يُرْجَمُ.
عُمْدَةُ الْجُمْهُورِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجَمَ مَاعِزًا، وَرَجَمَ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ، وَرَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ وَامْرَأَةً مِنْ عَامِرٍ مِنَ الْأَزْدِ» . كُلُّ ذَلِكَ مُخَرَّجٌ فِي الصِّحَاحِ، وَلَمْ يَرْوُوا أَنَّهُ جَلَدَ وَاحِدًا مِنْهُمْ. وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْحَدَّ الْأَصْغَرَ يَنْطَوِي فِي الْحَدِّ الْأَكْبَرِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدَّ إِنَّمَا وُضِعَ لِلزَّجْرِ فَلَا تَأْثِيرَ لِلزَّجْرِ بِالضَّرْبِ مَعَ الرَّجْمِ.
وَعُمْدَةُ الْفَرِيقِ الثَّانِي عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] ، فَلَمْ يُخَصَّ مُحْصَنٌ مِنْ غَيْرِ مُحْصَنٍ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ " أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَلَدَ شُرَاحَةَ الْهَمْدَانِيَّةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَرَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمْعَةِ، وَقَالَ: جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِهِ ". وَحَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ بِالْحِجَارَةِ» .
وَأَمَّا الْإِحْصَانُ فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ مِنْ شَرْطِ الرَّجْمِ.