يُقَادُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ» ، وَلِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ فِيمَا سَرَقَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ. وَلِذَلِكَ قَالُوا: تُقَوَّمُ عَلَيْهِ حَمَلَتْ أَمْ لَمْ تَحْمِلْ؛ لِأَنَّهَا قَدْ حَرُمَتْ عَلَى ابْنِهِ، فَكَأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهَا.
وَمِنَ الْحُجَّةِ لَهُمْ أَيْضًا إِجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَبَ لَوْ قَتَلَ ابْنَ ابْنِهِ لَمْ يَكُنْ لِلِابْنِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ أَبِيهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ كَانَ الِابْنُ لَهُ وَلِيًّا.
وَمِنْهَا الرَّجُلُ يَطَأُ جَارِيَةَ زَوْجَتِهِ، اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: فَقَالَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ: عَلَيْهِ الْحَدُّ كَامِلًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، وَتُقَوَّمُ عَلَيْهِ، فَيَغْرَمُهَا لِزَوْجَتِهِ إِنْ كَانَتْ طَاوَعَتْهُ، وَإِنْ كَانَ اسْتَكْرَهَهَا قُوِّمَتْ عَلَيْهِ، وَهِيَ حُرَّةٌ. وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَالْأَوَّلُ قَوْلُ عُمَرَ، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْهُ.
وَقَالَ قَوْمٌ: عَلَيْهِ مِائَةُ جَلْدَةٍ فَقَطْ سَوَاءٌ أَكَانَ مُحْصَنًا أَمْ ثَيِّبًا. وَقَالَ قَوْمٌ: عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ.
فَعُمْدَةُ مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْحَدَّ أَنَّهُ وَطِئَ دُونَ مِلْكٍ تَامٍّ، وَلَا شَرِكَةِ مِلْكٍ، وَلَا نِكَاحٍ - فَوَجَبَ الْحَدُّ. وَعُمْدَةُ مَنْ دَرَأَ الْحَدَّ مَا ثَبَتَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى فِي رَجُلٍ وَطِئَ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ اسْتَكْرَهَهَا فَهِيَ حُرَّةٌ، وَعَلَيْهِ مِثْلُهَا لِسَيِّدَتِهَا. وَإِنْ كَانَتْ طَاوَعَتْهُ فَهِيَ لَهُ، وَعَلَيْهِ لِسَيِّدَتِهَا مِثْلُهَا» .
وَأَيْضًا فَإِنَّ لَهُ شُبْهَةً فِي مَالِهَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِثَلَاثٍ ... فَذَكَرَ مَالَهَا» ، وَيَقْوَى هَذَا الْمَعْنَى عَلَى أَصْلِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ مَحْجُورٌ عَلَيْهَا مِنْ زَوْجِهَا فِيمَا فَوْقَ الثُّلُثِ، أَوْ فِي الثُّلُثِ فَمَا فَوْقَهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ.
وَمِنْهَا مَا يَرَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ دَرْءِ الْحَدِّ عَنْ وَاطِئِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ فِي ذَلِكَ ضَعِيفٌ وَمَرْغُوبٌ عَنْهُ، وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ أَشْبَهَتْ سَائِرَ الْمَنَافِعِ الَّتِي اسْتَأْجَرَهَا عَلَيْهَا، فَدَخَلَتِ الشُّبْهَةُ وَأَشْبَهَ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ. وَمِنْهَا دَرْءُ الْحَدِّ عَمَّنِ امْتَنَعَ، اخْتُلِفَ فِيهِ أَيْضًا.
وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَنْكِحَةُ الْفَاسِدَةُ دَاخِلَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ، وَأَكْثَرُهَا عِنْدَ مَالِكٍ تَدْرَأُ الْحَدَّ إِلَّا مَا انْعَقَدَ مِنْهَا عَلَى شَخْصٍ مُؤَبَّدِ التَّحْرِيمِ بِالْقَرَابَةِ مِثْلَ الْأُمِّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، مِمَّا لَا يُعْذَرُ فِيهِ بِالْجَهْلِ.
وَالزُّنَاةُ الَّذِينَ تَخْتَلِفُ الْعُقُوبَةُ بِاخْتِلَافِهِمْ أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ: مُحْصَنُونَ ثُيَّبٌ، وَأَبْكَارٌ، وَأَحْرَارٌ، وَعَبِيدٌ وَذُكُورٌ وَإِنَاثٌ. وَالْحُدُودُ الْإِسْلَامِيَّةُ ثَلَاثَةٌ: رَجْمٌ، وَجَلْدٌ، وَتَغْرِيبٌ.
فَأَمَّا الثُّيَّبُ الْأَحْرَارُ