وَنِسَاؤُهُمْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ نِسَائِهِمْ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَعَلَى هَذَا تَكُونُ دِيَةُ جِرَاحِهِمْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ دِيَتَهُمْ ثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ دِيَتَهُمْ مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ.
فَعُمْدَةُ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «دِيَةُ الْكَافِرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِ» . وَعُمْدَةُ الْحَنَفِيَّةِ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] .
وَمِنَ السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَكُلِّ ذِمِّيٍّ مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ. قَالَ: وَكَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ حَتَّى كَانَ مُعَاوِيَةُ، فَجَعَلَ فِي بَيْتِ الْمَالِ نِصْفَهَا، وَأَعْطَى أَهْلَ الْمَقْتُولِ نِصْفَهَا. ثُمَّ قَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِنِصْفِ الدِّيَةِ، وَأَلْغَى الَّذِي جَعَلَهُ مُعَاوِيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَلَمْ يُقْضَ لِي أَنْ أُذَكِّرَ بِذَلِكَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَأُخْبِرَهُ أَنَّ الدِّيَةَ كَانَتْ تَامَّةً لِأَهْلِ الذِّمَّةِ.
وَأَمَّا إِذَا قُتِلَ الْعَبْدُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا عَلَى مَنْ لَا يَرَى الْقِصَاصَ فِيهِ، فَقَالَ قَوْمٌ: عَلَيْهِ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ: لَا يَتَجَاوَزُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ الدِّيَةَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْكُوفَةِ: فِيهِ الدِّيَةُ، وَلَكِنْ لَا يَبْلُغُ بِهِ دِيَةَ الْحُرِّ، يَنْقُصُ مِنْهَا شَيْئًا.
وَعُمْدَةُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الرِّقَّ حَالُ نَقْصٍ، فَوَجَبَ أَنْ لَا تَزِيدَ قِيمَتُهُ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ. وَعُمْدَةُ مَنْ أَوْجَبَ فِيهِ الدِّيَةَ وَلَكِنْ نَاقِصَةً عَنْ دِيَةِ الْحُرِّ أَنَّهُ مُكَلَّفٌ نَاقِصٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ نَاقِصًا عَنِ الْحُرِّ لَكِنَّ وَاحِدًا بِالنَّوْعِ. أَصْلُهُ الْحَدُّ فِي الزِّنَى وَالْقَذْفِ وَالْخَمْرِ وَالطَّلَاقِ. وَلَوْ قِيلَ فِيهِ: إِنَّهَا تَكُونُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ - لَكَانَ قَوْلًا لَهُ وَجْهٌ، أَعْنِي: فِي دِيَةِ الْخَطَأِ، لَكِنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. وَعُمْدَةُ مَالِكٍ أَنَّهُ مَالٌ قَدْ أُتْلِفَ، فَوَجَبَ فِيهِ الْقِيمَةُ، أَصْلُهُ سَائِرُ الْأَمْوَالِ.
وَاخْتُلِفَ فِي الْوَاجِبِ فِي الْعَبْدِ عَلَى مَنْ يَجِبُ؟ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ عَلَى الْقَاتِلِ نَفْسِهِ. وَعُمْدَةُ مَالِكٍ تَشْبِيهُ الْعَبْدِ بِالْعُرُوضِ. وَعُمْدَةُ الشَّافِعِيِّ قِيَاسُهُ عَلَى الْحُرِّ.