الْعَاقِلَةِ.
وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا إِذَا اشْتَرَكَ فِي الْقَتْلِ عَامِدٌ وَصَبِيٌّ، وَالَّذِينَ أَوْجَبُوا عَلَى الْعَامِدِ الْقِصَاصَ وَعَلَى الصَّبِيِّ الدِّيَةَ اخْتَلَفُوا عَلَى مَنْ تَكُونُ؟ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَصْلِهِ: فِي مَالِ الصَّبِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ: عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَيَرَى أَنْ لَا قِصَاصَ بَيْنَهُمَا.
وَأَمَّا مَتَى تَجِبُ فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ مُؤَجَّلَةٌ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَأَمَّا دِيَةُ الْعَمْدِ فَحَالَّةٌ إِلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى التَّأْجِيلِ.
وَأَمَّا مَنْ هُمُ الْعَاقِلَةُ فَإِنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ هِيَ الْقَرَابَةُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَهُمُ الْعَصَبَةُ دُونَ أَهْلِ الدِّيوَانِ. وَتَحْمِلُ الْمَوَالِي الْعَقْلَ عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ إِذَا عَجَزَتْ عَنْهُ الْعَصَبَةُ، إِلَّا دَاوُدَ فَإِنَّهُ لَمْ يَرَ الْمَوَالِيَ عَصَبَةً.
وَلَيْسَ فِيمَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَدٌّ عِنْدِ مَالِكٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَلَى الْغَنِيِّ دِينَارٌ وَعَلَى الْفَقِيرِ نِصْفُ دِينَارٍ. وَهِيَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مُرَتَّبَةٌ عَلَى الْقَرَابَةِ بِحَسَبِ قُرْبِهِمْ؛ فَالْأَقْرَبُ مِنْ بَنِي أَبِيهِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي جَدِّهِ، ثُمَّ مِنْ بَنِي بَنِي أَبِيهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ: الْعَاقِلَةُ هُمْ أَهْلُ دِيوَانِهِ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ دِيوَانٍ.
وَعُمْدَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ أَنَّهُ تَعَاقَلَ النَّاسُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي زَمَانِ أَبِي بَكْرٍ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دِيوَانٌ، وَإِنَّمَا كَانَ الدِّيوَانُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَاعْتَمَدَ الْكُوفِيُّونَ حَدِيثَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَا يَزِيدُهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا قُوَّةً» . وَبِالْجُمْلَةِ فَتَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِنَحْوِ تَمَسُّكِهِمْ فِي وُجُوبِ الْوَلَاءِ لِلْحُلَفَاءِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي جِنَايَةِ مَنْ لَا عَصَبَةَ لَهُ وَلَا مَوَالِيَ (وَهُمُ السَّائِبَةُ) إِذَا جَنَوْا خَطَأً هَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ عَقْلٌ؟ أَمْ لَا؟ وَإِنْ كَانَ فَعَلَى مَنْ يَكُونُ؟ فَقَالَ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ مَوَالِيَ: لَيْسَ عَلَى السَّائِبَةِ عَقْلٌ، وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ الْعَقْلَ عَلَى الْمَوَالِي، وَهُوَ دَاوُدُ وَأَصْحَابُهُ. وَقَالَ: مَنْ جَعَلَ وَلَاءَهُ لِمَنْ أَعْتَقَهُ عَلَيْهِ عَقْلُهُ، وَقَالَ: مَنْ جَعَلَ وَلَاءَهُ لِلْمُسْلِمِينَ عَقْلُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَمَنْ قَالَ: إِنَّ لِلسَّائِبَةِ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ - جَعَلَ عَقْلَهُ لِمَنْ وَلَّاهُ.
وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقَاوِيلِ قَدْ حُكِيَتْ عَنِ السَّلَفِ وَالدِّيَاتُ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمُودَى فِيهِ، وَالْمُؤَثِّرُ فِي نُقْصَانِ الدِّيَةِ هِيَ الْأُنُوثَةُ وَالْكُفْرُ وَالْعُبُودِيَّةُ.
أَمَّا دِيَةُ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِي النَّفْسِ فَقَطْ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنَ الشِّجَاجِ وَالْأَعْضَاءِ عَلَى مَا سَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيهِ فِي دِيَاتِ الْجُرُوحِ وَالْأَعْضَاءِ.
أَمَّا دِيَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِذَا قُتِلُوا خَطَأً فَإِنَّ لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: دِيَتُهُمْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِ ذُكْرَانُهُمْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذُكْرَانِ الْمُسْلِمِينَ،