أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَإِنَّهَا حُرَّةٌ إِذَا مَاتَ» ، وَكِلَا الْحَدِيثَيْنِ لَا يَثْبُتُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، حَكَى ذَلِكَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ.
وَرُبَّمَا قَالُوا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى أَنَّهَا قَدْ وَجَبَتْ لَهَا حُرْمَةٌ وَهُوَ اتِّصَالُ الْوَلَدِ بِهَا وَكَوْنُهُ بَعْضًا مِنْهَا، وَحَكَوْا هَذَا التَّعْلِيلَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ رَأَى أَنْ لَا يُبَعْنَ، فَقَالَ: خَالَطَتْ لُحُومُنَا لُحُومَهُنَّ، وَدِمَاؤُنَا دِمَاءَهُنَّ.
مَتَى تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ؟ فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ إِذَا مَلَكَهَا قَبْلَ حَمْلِهَا مِنْهُ.
وَاخْتَلَفُوا إِذَا مَلَكَهَا وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ أَوْ بَعْدَ أَنْ وَلَدَتْ مِنْهُ، فَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ إِذَا وَلَدَتْ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكَهَا، ثُمَّ مَلَكَهَا وَوَلَدَهَا، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ إِذَا مَلَكَهَا وَهِيَ حَامِلٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ إِذْ كَانَ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ أَنْ يَبِيعَ الْمَرْءُ أُمَّ وَلَدِهِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ» .
وَأَمَّا بِمَاذَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ؟ فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: كُلُّ مَا وَضَعَتْ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ وَلَدٌ كَانَتْ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بُدَّ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِثْلُ الْخِلْقَةِ وَالتَّخْطِيطِ.
وَاخْتِلَافُهُمْ رَاجِعٌ إِلَى مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْوِلَادَةِ أَوْ مَا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ مَوْلُودٌ.
وَأَمَّا مَا بَقِيَ فِيهَا مِنْ أَحْكَامِ الْعُبُودِيَّةِ، فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا فِي شَهَادَتِهَا وَحُدُودِهَا وَدِيَتِهَا وَأَرْشِ جِرَاحِهَا كَالْأَمَةِ. وَجُمْهُورُ مَنْ مَنَعَ بَيْعَهَا لَيْسَ يَرَوْنَ هَاهُنَا سَبَبًا طَارِئًا عَلَيْهَا يُوجِبُ بَيْعَهَا إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهَا إِذَا زَنَتْ رُقَّتْ.
وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيُّ هَلْ لِسَيِّدِهَا اسْتِخْدَامُهَا طُولَ حَيَاتِهِ وَاغْتِلَالُهُ إِيَّاهَا؟ فَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَهُ فِيهَا الْوَطْءُ فَقَطْ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ ذَلِكَ.
وَعُمْدَةُ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَمْلِكْ رَقَبَتَهَا بِالْبَيْعِ لَمْ يَمْلِكْ إِجَارَتَهَا، إِلَّا أَنَّهُ يَرَى أَنَّ إِجَارَةَ بَنِيهَا مِنْ غَيْرِهِ جَائِزَةٌ ; لِأَنَّ حُرْمَتَهُمْ عِنْدَهُ أَضْعَفُ. وَعُمْدَةُ الشَّافِعِيِّ انْعِقَادُ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا.
فَسَبَبُ الْخِلَافِ تَرَدُّدُ إِجَارَتِهَا بَيْنَ أَصْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا وَطْؤُهَا، وَالثَّانِي بَيْعُهَا. فَيَجِبُ أَنْ يُرَجَّحَ أَقْوَى الْأَصْلَيْنِ شَبَهًا.
وَأَمَّا مَتَى تَكُونُ حُرَّةً، فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ آنَ ذَلِكَ الْوَقْتِ هُوَ إِذَا مَاتَ السَّيِّدُ، وَلَا أَعْلَمُ الْآنَ أَحَدًا قَالَ تُعْتَقُ مِنَ الثُّلُثِ، وَقِيَاسُهَا عَلَى الْمُدَبَّرِ ضَعِيفٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْمُدَبَّرَ يُعْتَقُ مِنَ الثُّلُثِ.