وَاخْتَلَفُوا إِذَا أُعْتِقَ الْأَبُ هَلْ يَجُرُّ وَلَاءَ بَنِيهِ لِمَوَالِيهِ أَمْ لَا يَجُرُّ؟ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَمَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَجُرُّ، وَبِهِ قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَابْنُ مَسْعُودٍ وَالزُّبَيْرُ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ.
وَقَالَ عَطَاءٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَابْنُ شِهَابٍ وَجَمَاعَةٌ: لَا يَجُرُّ وَلَاءَهُ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَقَضَى بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ لِمَا حَدَّثَهُ بِهِ قَبِيصَةُ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ مِثْلُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ.
وَعُمْدَةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْوَلَاءَ مُشَبَّهٌ بِالنَّسَبِ، وَالنَّسَبُ لِلْأَبِ دُونَ الْأُمِّ.
وَعُمْدَةُ الْفَرِيقِ الثَّانِي أَنَّ الْبَنِينَ لَمَّا كَانُوا فِي الْحُرِّيَّةِ تَابِعِينَ لِأُمِّهِمْ كَانُوا فِي مُوجِبِ الْحُرِّيَّةِ تَابِعِينَ لَهَا، وَهُوَ الْوَلَاءُ.
وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ الْجَدَّ يَجُرُّ وَلَاءَ حَفَدَتِهِ إِذَا كَانَ أَبُوهُمْ عَبْدًا، إِلَّا أَنْ يُعْتَقَ الْأَبُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ الْكُوفِيُّونَ وَاعْتَمَدُوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ وَلَاءَ الْجَدِّ إِنَّمَا يَثْبُتُ لِمُعْتِقِ الْجَدِّ عَلَى الْبَنِينَ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ وَلَاءٌ فَأَحْرَى أَنْ لَا يَكُونَ لِلْجَدِّ.
وَعُمْدَةُ الْفَرِيقِ الثَّانِي أَنَّ عُبُودِيَّةَ الْأَبِ هِيَ كَمَوْتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ الْوَلَاءُ إِلَى أَبِي الْأَبِ.
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ الْوَلَاءَ لِلْعَصَبَةِ فِيمَا أَعْلَمُ أَنَّ الْأَبْنَاءَ أَحَقُّ مِنَ الْآبَاءِ، وَأَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إِلَى الْعَمُودِ الْأَعْلَى إِلَّا إِذَا فَقَدَ الْعَمُودَ الْأَسْفَلَ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ ; لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ عِنْدَهُمْ أَقْوَى تَعْصِيبًا مِنَ الْأُبُوَّةِ، وَالْأَبُ أَضْعَفُ تَعْصِيبًا، وَالْإِخْوَةُ وَبَنُوهُمْ أَقْعَدُ عِنْدَ مَالِكٍ مِنَ الْجَدِّ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ الْجَدُّ أَقْعَدُ مِنْهُمْ.
وَسَبَبُ الْخِلَافِ مَنْ أَقْرَبُ نَسَبًا وَأَقْوَى تَعْصِيبًا وَلَيْسَ يُورَثُ بِالْوَلَاءِ جُزْءٌ مَفْرُوضٌ وَإِنَّمَا يُورَثُ تَعْصِيبًا، فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ أَصْلًا، أَوْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ لَا يُحِيطُونَ بِالْمِيرَاثِ كَانَ عَاصِبُهُ الْمَوْلَى الْأَعْلَى، وَكَذَلِكَ يُعَصِّبُ الْمَوْلَى الْأَعْلَى كُلَّ مَنْ لِلْمَوْلَى الْأَعْلَى عَلَيْهِ وِلَادَةُ نَسَبٍ (أَعْنِي: بَنَاتِهِ وَبَنِيهِ وَبَنِي بَنِيهِ) .
; وَفِي هَذَا الْبَابِ مَسْأَلَةٌ مَشْهُورَةٌ وَهِيَ: إِذَا مَاتَتِ امْرَأَةٌ وَلَهَا وَلَاءٌ وَوَلَدٌ وَعَصَبَةٌ لِمَنْ يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لِعَصَبَتِهَا لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ يَعْقِلُونَ عَنْهَا، وَالْوَلَاءُ لِلْعَصَبَةِ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ قَوْمٌ: لِابْنِهَا، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلَيْهِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِأَهْلِ هَذَا السَّلَفِ ; لِأَنَّ ابْنَ الْمَرْأَةِ لَيْسَ مِنْ عَصَبَتِهَا.
تَمَّ كِتَابُ الْفَرَائِضِ وَالْوَلَاءِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ حَقَّ حَمْدِهِ.