الْحَرْبِيِّ يُعْتِقُ عَبْدَهُ وَهُوَ عَلَى دِينِهِ، ثُمَّ يَخْرُجَانِ إِلَيْنَا مُسْلِمَيْنِ، فَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ مَوْلَاهُ يَرِثُهُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا وَلَاءَ بَيْنَهُمَا، وَلِلْعَبْدِ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي الْوَلَاءِ وَالتَّحَالُفِ. وَخَالَفَ أَشْهَبُ مَالِكًا فَقَالَ: إِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ قَبْلَ الْمَوْلَى لَمْ يَعُدْ إِلَى الْمَوْلَى وَلَاؤُهُ أَبَدًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَعُودُ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ ; لِأَنَّ مَالِكًا يَعْتَبِرُ وَقْتَ الْعِتْقِ.
وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا هِيَ مَفْرُوضَةٌ فِي الْقَوْلِ لَا تَقَعُ بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ دِينِ النَّصَارَى أَنْ يَسْتَرِقَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَلَا مِنْ دِينِ الْيَهُودِ فِيمَا يَعْتَقِدُونَهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ مِنْ مِلَلِهِمْ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: ; أَجْمَعَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ لَيْسَ لَهُنَّ مَدْخَلٌ فِي وِرَاثَةِ الْوَلَاءِ إِلَّا مَنْ بَاشَرْنَ عِتْقَهُ بِأَنْفُسِهِنَّ أَوْ هَاجَرَ إِلَيْهِنَّ مَنْ بَاشَرْنَ عِتْقَهُ، إِمَّا بِوَلَاءٍ أَوْ بِنَسَبٍ، مِثْلَ مُعْتَقِ مُعْتَقِهَا أَوِ ابْنِ مُعْتَقِهَا، وَأَنَّهُنَّ لَا يَرِثْنَ مُعْتَقَ مَنْ يَرِثْنَهُ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ شُرَيْحٍ. وَعُمْدَتُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهَا وَلَاءُ مَا أَعْتَقَتْ بِنَفْسِهَا كَانَ لَهَا وَلَاءُ مَا أَعْتَقَهُ مُوَرِّثُهَا قِيَاسًا عَلَى الرَّجُلِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَعْرِفُونَهُ بِقِيَاسِ الْمَعْنَى، وَهُوَ أَرْفَعُ مَرَاتِبِ الْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُوهِنُهُ الشُّذُوذُ.
وَعُمْدَةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْوَلَاءَ إِنَّمَا وَجَبَ لِلنِّعْمَةِ الَّتِي كَانَتْ لِلْمُعْتِقِ عَلَى الْمُعْتَقِ، وَهَذِهِ النِّعْمَةُ إِنَّمَا تُوجَدُ فِيمَنْ بَاشَرَ الْعِتْقَ، أَوْ كَانَ مِنْ سَبَبٍ قَوِيٍّ مِنْ أَسْبَابِهِ، وَهُمُ الْعَصَبَةُ.
وَقَالَ الْقَاضِي: وَإِذْ قَدْ تَقَرَّرَ مَنْ لَهُ وَلَاءٌ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ وَلَاءٌ، فَبَقِيَ النَّظَرُ فِي تَرْتِيبِ أَهْلِ الْوَلَاءِ فِي الْوَلَاءِ.
; فَمِنْ أَشْهَرِ مَسَائِلِهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ الْمَسْأَلَةُ التِي يَعْرِفُونَهَا بِالْوَلَاءِ لِلْكِبَرِ، مِثَالُ ذَلِكَ: رَجُلٌ أَعْتَقَ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ أَخَوَيْنِ أَوِ ابْنَيْنِ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْأَخَوَيْنِ وَتَرَكَ ابْنًا، أَوْ أَحَدُ الِابْنَيْنِ.
فَقَالَ الْجُمْهُورُ: فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إِنَّ حَظَّ الْأَخِ الْمَيِّتِ مِنَ الْوَلَاءِ لَا يَرِثُهُ ابْنُهُ، وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى أَخِيهِ ; لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مِنِ ابْنِهِ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ ; لِأَنَّ الْحَجْبَ فِي الْمِيرَاثِ يُعْتَبَرُ بِالْقُرْبِ مِنَ الْمَيِّتِ، وَهُنَا بِالْقُرْبِ مِنَ الْمُبَاشِرِ لِلْعِتْقَ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيٍّ، وَعُثْمَانَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِنَ الصَّحَابَةِ.
وَقَالَ شُرَيْحٌ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: حَقُّ الْأَخِ الْمَيِّتِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِبَنِيهِ.
وَعُمْدَةُ هَؤُلَاءِ تَشْبِيهُ الْوَلَاءِ بِالْمِيرَاثِ.
وَعُمْدَةُ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْوَلَاءَ نَسَبٌ مَبْدَؤُهُ مِنَ الْمُبَاشِرِ.
; وَمِنْ مَسَائِلِهِمُ الْمَشْهُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ الْمَسْأَلَةُ التِي تُعْرَفُ بِجَرِّ الْوَلَاءِ، وَصُورَتُهَا أَنْ يَكُونَ عَبْدٌ لَهُ بَنُونَ مِنْ أَمَةٍ، فَأُعْتِقَتِ الْأَمَةُ ثُمَّ أُعْتِقَ الْعَبْدُ بَعْدَ ذَلِكَ ; فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا لِمَنْ يَكُونُ وَلَاءُ الْبَنِينَ إِذَا أُعْتِقَ الْأَبُ؟ .
وَذَلِكَ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ وَلَاءَهُمْ بَعْدَ عِتْقِ الْأُمِّ إِذَا لَمْ يَمَسَّ الْمَوْلُودَ الرِّقُّ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَذَلِكَ يَكُونُ إِذَا تَزَوَّجَهَا الْعَبْدُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَقَبْلَ عِتْقِ الْأَبِ هُوَ لِمَوَالِي الْأُمِّ.