ذَلِكَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ قَوْلِ زَيْدٍ، وَضَعَّفَ الْجَمِيعُ التَّشْرِيكَ الَّذِي قَالَ بِهِ زَيْدٌ فِي هَذِهِ الْفَرِيضَةِ، وَبِقَوْلِ زَيْدٍ قَالَ مَالِكٌ.

وَقِيلَ إِنَّمَا سُمِّيَتِ الْأَكْدَرِيَّةَ لِتَكَدُّرِ قَوْلِ زَيْدٍ فِيهَا، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى الْعَوْلَ، وَبِالْعَوْلِ قَالَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، إِلَّا ابْنَ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَعَالَ الْفَرَائِضَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ قَدَّمَ مَنْ قَدَّمَ اللَّهُ وَأَخَّرَ مَنْ أَخَّرَ اللَّهُ مَا عَالَتْ فَرِيضَةٌ، قِيلَ لَهُ: وَأَيُّهَا قَدَّمَ اللَّهُ، وَأَيُّهَا أَخَّرَ اللَّهُ؟ قَالَ: كُلُّ فَرِيضَةٍ لَمْ يُهْبِطْهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ مُوجَبِهَا إِلَّا إِلَى فَرِيضَةٍ أُخْرَى فَهِيَ مَا قَدَّمَ اللَّهُ، وَكُلُّ فَرِيضَةٍ إِذَا زَالَتْ عَنْ فَرْضِهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا إِلَّا مَا بَقِيَ فَتِلْكَ الَّتِي أَخَّرَ اللَّهُ فَالْأَوَّلُ مِثْلُ الزَّوْجَةِ وَالْأُمِّ، وَالْمُتَأَخِّرُ مِثْلُ الْأَخَوَاتِ وَالْبَنَاتِ، قَالَ: فَإِذَا اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ بُدِئَ مَنْ قَدَّمَ اللَّهُ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ فَلِمَنْ أَخَّرَ اللَّهُ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ، قِيلَ لَهُ: فَهَلَّا قُلْتَ هَذَا الْقَوْلَ لِعُمَرَ: قَالَ: هِبْتُهُ.

وَذَهَبَ زَيْدٌ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعَ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ الشَّقَائِقِ إِخْوَةٌ لِأَبٍ، أَنَّ الْإِخْوَةَ الشَّقَائِقَ يُعَادُونَ الْجَدَّ بِالْإِخْوَةِ لِلْأَبِ، فَيَمْنَعُونَهُ بِهِمْ كَثْرَةَ الْمِيرَاثِ، وَلَا يَرِثُونَ مَعَ الْإِخْوَةِ الشَّقَائِقِ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّقَائِقُ أُخْتًا وَاحِدَةً، فَإِنَّهَا تُعَادِي الْجَدَّ بِأُخُوَّتِهَا لِلْأَبِ مَا بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ أَنْ تَسْتَكْمِلَ فَرِيضَتَهَا - وَهِيَ النِّصْفُ -، وَإِنْ كَانَ فِيمَا يُحَازُ لَهَا وَلِإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا فَضْلٌ عَنْ نِصْفِ رَأْسِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَهُوَ لِإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ; فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ عَلَى النِّصْفِ فَلَا مِيرَاثَ لَهُمْ.

فَأَمَّا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَانَ لَا يَلْتَفِتُ هُنَا لِلْإِخْوَةِ لِلْأَبِ لِلْإِجْمَاعِ، عَلَى أَنَّ الْإِخْوَةَ الشَّقَائِقَ يَحْجُبُونَهُمْ ; وَلِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ أَيْضًا مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ، (أَعْنِي: أَنْ يَحْتَسِبَ بِمَنْ لَا يَرِثُ) .

وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي الْفَرِيضَةِ الَّتِي تُدْعَى الْخَرْقَاءَ، (وَهِيَ: أُمٌّ وَأُخْتٌ وَجَدٌّ) عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ.

فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى أَنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ وَالْبَاقِيَ لِلْجَدِّ وَحَجَبُوا بِهِ الْأُخْتَ، وَهَذَا عَلَى رَأْيِهِمْ فِي إِقَامَةِ الْجَدِّ مَقَامَ الْأَبِ.

وَذَهَبَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِلَى أَنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفَ وَمَا بَقِيَ لِلْجَدِّ.

وَذَهَبَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِلَى أَنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ وَلِلْأُخْتِ الثُّلُثَ وَلِلْجَدِّ الثُّلُثَ.

وَذَهَبَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِلَى أَنَّ لِلْأُخْتِ النِّصْفَ وَلِلْجَدِّ الثُّلُثَ وَلِلْأُمِّ السُّدُسَ، وَكَانَ يَقُولُ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أُفَضِّلَ أُمًّا عَلَى جَدٍّ.

وَذَهَبَ زَيْدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِلَى أَنَّ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ وَمَا بَقِيَ بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأُخْتِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015