بَعِيدَةً، وَلَيْسَ الْبُنُوَّةُ الَّتِي لِأَبِ الْمَوْرُوثِ بُنُوَّةَ مَا لِلْمَوْرُوثِ لَا قَرِيبَةً وَلَا بَعِيدَةً.
فَمَنْ قَالَ الْأَخُ أَحَقُّ مِنَ الْجَدِّ ; لِأَنْ يُدْلِي بالشيء الذي من قبله كان الميراث بالبنوة وهو الأب والجد يدلي بِالْأُبُوَّةِ هُوَ قَوْلٌ غَالِطٌ مُخَيَّلٌ، لِأَنَّ الْجَدَّ أَبٌ مَا، وَلَيْسَ الْأَخُ ابْنًا مَا.
وَبِالْجُمْلَةِ الْأَخُ لَاحِقٌ مِنْ لَوَاحِقِ الْمَيِّتِ، وَكَأَنَّهُ أَمْرٌ عَارِضٌ وَالْجَدُّ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِهِ، وَالسَّبَبُ أَمْلَكُ لِلشَّيْءِ مِنْ لَاحِقِهِ.
وَاخْتَلَفَ الَّذِينَ وَرَّثُوا الْجَدَّ مَعَ الْإِخْوَةِ فِي كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ. فَتَحْصِيلُ مَذْهَبِ زَيْدٍ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَعَهُ سِوَى الْإِخْوَةِ ذُو فَرْضٍ مُسَمًّى أَوْ لَا يَكُونَ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ ذُو فَرْضٍ مُسَمًّى أُعْطِيَ الْأَفْضَلَ لَهُ مِنِ اثْنَيْنِ، إِمَّا ثُلُثَ الْمَالِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كَوَاحِدٍ مِنَ الْإِخْوَةِ الذُّكُورِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِخْوَةُ ذُكْرَانًا أَوْ إِنَاثًا أَوِ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا فَهُوَ مَعَ الْأَخِ الْوَاحِدِ يُقَاسِمُهُ الْمَالَ، وَكَذَلِكَ مَعَ الِاثْنَيْنِ وَمَعَ الثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ يَأْخُذُ الثُّلُثَ، وَهُوَ مَعَ الْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ إِلَى الْأَرْبَعِ يُقَاسِمُهُنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَمَعَ الْخَمْسِ أَخَوَاتٍ لَهُ الثُّلُثُ ; لِأَنَّهُ أَفْضَلُ لَهُ مِنَ الْمُقَاسَمَةِ، فَهَذِهِ هِيَ حَالُهُ مَعَ الْإِخْوَةِ فَقَطْ دُونَ غَيْرِهِمْ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ مُسَمًّى فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِأَهْلِ الْفُرُوضِ فَيَأْخُذُونَ فُرُوضَهُمْ، فَمَا بَقِيَ أُعْطِيَ الْأَفْضَلَ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ: إِمَّا ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ حُظُوظِ ذَوِي الْفَرَائِضِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ ذَكَرٍ مِنَ الْإِخْوَةِ، وَإِمَّا أَنْ يُعْطَى السُّدُسَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَا يَنْقُصُ مِنْهُ، ثُمَّ مَا بَقِيَ يَكُونُ لِلْإِخْوَةِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فِي الْأَكْدَرِيَّةِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُ مَذْهَبَهُ فِيهَا مَعَ سَائِرِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ.
وَأَمَّا عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَانَ يُعْطِي الْجَدَّ الْأَحْظَى لَهُ مِنَ السُّدُسِ أَوِ الْمُقَاسَمَةِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ مَعَ الْجَدِّ وَالْإِخْوَةِ غَيْرُهُمْ مِنْ ذَوِي الْفَرَائِضِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْقُصْهُ مِنَ السُّدُسِ شَيْئًا ; لِأَنَّهُمْ لَمَّا أَجْمَعُوا أَنَّ الْأَبْنَاءَ لَا يَنْقُصُونَهُ مِنْهُ شَيْئًا كَانَ أَحْرَى أَنْ لَا يَنْقُصَهُ الْإِخْوَةُ.
وَعُمْدَةُ قَوْلِ زَيْدٍ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَحْجُبُ الْإِخْوَةَ لِلْأُمِّ فَلَمْ يَحْجُبْ عَمَّا يَجِبُ لَهُمْ وَهُوَ الثُّلُثُ، وَبِقَوْلِ زَيْدٍ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَجَمَاعَةٌ، وَبَقَوْلِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَأَمَّا الْفَرِيضَةُ الَّتِي تُعْرَفُ بِالْأَكْدَرِيَّةِ وَهِيَ امْرَأَةٌ تُوُفِّيَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَأُمًّا وَأُخْتًا شَقِيقَةً وَجَدًّا ; فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِيهَا، فَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَابْنُ مَسْعُودٍ يُعْطِيَانِ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ وَلِلْأُمِّ السُّدُسَ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفَ وَلِلْجَدِّ السُّدُسَ، وَذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الْعَوْلِ.
وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَزَيْدٌ يَقُولَانِ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ فَرِيضَةً، إِلَّا أَنَّ زَيْدًا يَجْمَعُ سَهْمَ الْأُخْتِ وَالْجَدِّ، فَيَقْسِمُ