دعاءَه الخَفِيَّ، وليس كالذي قال: "إن الله يسمَعُ إن جَهَرْنا، ولا يسمعُ إن أخفينا" (?).

وثانيها: أنه أعظمُ في الأدب والتعظيم، ولهذا لا تُخاطبُ الملوِكُ ولا تُسألُ برفع الأصوات، وإنما تُخفضُ عندَهم الأصواتُ, ويُخْفى عندَهم الكلامُ بمقدار ما يسمعوه، ومن رفع صوته لديهم مَقَتُوهُ، ولله المثلُ الأعلى، فإذا كان يسمعُ الدّعاء الخَفِيَّ فلا يليقُ بالأدب بين يديه إلاّ خفض الصوت به.

وثالثها: أنه أبلغُ في التَّضَرُّع والخُشوع الذي هو رُوحُ الدعاء وَلُبُّهُ ومقصودُهُ، فإن الخاشع الذليل الضارع إنما يسألُ مسألةَ مسكين ذليل، قد انكسر قلبه، وذلَّت جوارحُه، وخشع صوتُه، حتى إنه ليكاد تبلغ به ذلته ومسكنته، وكسرته (?) وضراعته، إلى أن ينكسر لسانُه، فلا يُطاوعه بالنطق, فقلبُه سائل طالب مبتهل (?)، ولسانُه لشدة ذله وضراعته ومسكنته ساكت، وهذه الحال لا يتأتَّى معها رفع (?) الصوت بالدُّعاء أصلًا.

ورابعها: أنه أبلغُ في الإخلاص.

وخامسها: أنه أبلغُ في جمعِيَّة القلب على الله تعالى في الدعاء، فإن رَفْع الصوت يُفَرِّقه ويشتِّته، فكلما خفضَ صوتَه كان أبلغ في صمده وتجريد همته وقصده للمدعوِّ سبحانه وتعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015