من ديارهم والله وقد نهاكم عن ذلك والأخذ ببعض الكتاب يوجب عليكم الأخذ بجميعه فكيف تكفرون ببعض الكتاب وتؤمنون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما يعملون.
فصل:
ومن ذلك قوله تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} فهذا هو الذي تسميه النظار والفقهاء التشهي والتحكم فيقول أحدهم لصاحبه لا حجة لك على ما ادعيت سوى التشهي والتحكم الباطل فإن جاءك ما لا تشتهيه دفعته ورددته وإن كان القول موافقا لما تهواه وتشتهيه إما من تقليد من تعظمه أو موافقة ما تريده قبله وأجزته فترد ما خالف هواك وتقبل ما وافق هواك وهذا الاحتجاج والذي قبله مفحمان للخصم لا جواب له وعليهما البتة فإن الأخذ ببعض الكتاب يوجب الأخذ بجميعه والتزام بعض شرائعه يوجب التزام جميعها ولا تجوز أن تكون الشرائع تابعة للشهوات إذ لو كان الشرع تابعا للهوى والشهوة لكان في الطباع ما يغني عنه وكانت شهوة كل أحد وهواه شرعا له ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن.
فصل:
ومن ذلك قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} فهذه حجة أخرى على اليهود في تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم